استأنفت الحكومة السودانية ومتمردو دارفور أمس جولة جديدة من المفاوضات في أبوجا، العاصمة النيجيرية، وسط خلافات كبيرة في وجهات النظر بين المتفاوضين. وتأتي هذه الجولة من المفاوضات في وقت شكك المتمردون في وجود "طبخة" ما بين الحكومة و"التجمع الوطني" المعارض في المفاوضات التي تجري بينهما في القاهرة. وقال الأمين العام ل"حركة تحرير السودان" منى أركو مناوي ان "التجمع" رفض دخول مندوبي حركته الى مفاوضات القاهرة و"نقلوا الينا أسباباً غير مقنعة مثل عدم وجود بطاقات دخول". وعبّر عن شكوكه في "وجود طبخة بين زعيم المعارضة السيد عثمان الميرغني والحكومة ... هناك شيء ما يدور خلف الأبواب، ولذلك مُنع وفدنا من حضور المفاوضات". وعلى صعيد مفاوضات أبوجا، علمت "الحياة" في أسمرا ان وسطاء الاتحاد الافريقي افتتحوا، أمس، المحادثات الرسمية بين وفد حكومة الخرطوم وحركتي التمرد - "حركة تحرير السودان" و"حركة العدل والمساواة" - قبل ان تتحول المفاوضات الى جلسة مغلقة تُخصص للبحث في بروتوكول القضايا الانسانية والأمنية. وكانت الأطراف اتفقت على البروتوكول الانساني في آب اغسطس الماضي. وتأخرت رويترز المحادثات التي كان من المقرر أصلاً أن تبدأ الخميس الماضي بسبب فوضى في الانتقال، ما أدى الى عدم وصول كثيرين من مندوبي المتمردين الى ابوجا إلا مطلع هذا الاسبوع. وامتدت المفاوضات السابقة في العاصمة النيجيرية ثلاثة أسابيع لتنهار دون التوصل الى اتفاق. ولكن وسطاء دوليين قالوا انهم يأملون هذه المرة بأن يكون الأمر مختلفاً في الوقت الذي تتزايد فيه الضغوط على الجانبين لتخفيف معاناة 1.5 مليون من المدنيين شردهم الصراع. وقال يان برونك الممثل الخاص لكوفي أنان الامين العام للأمم المتحدة في السودان: "الناس أكثر رغبة هذه المرة في المناقشة". وقال احمد محمد تقد كبير مفاوضي "حركة العدل والمساواة" أحد فصيلي التمرد في دارفور والذي يتهم الحكومة باستمرار قصف احدى المناطق في شرق دارفور: "انهم بالفعل يستعدون للحرب". لكن الناطق باسم الحكومة ابراهيم محمد قال ان المتمردين هم من بدأ بالهجوم في شرق دارفور وان القوات الحكومية ردت عليهم. واضاف ان الحكومة تلتزم شروط وقف اطلاق النار. وزادت الأمور تعقيداً عندما كشف مسؤولون من الاتحاد الافريقي والاممالمتحدة في ابوجا عن ظهور فصيلين جديدين في صفوف المتمردين في دارفور. وأعرب خافيير سولانا منسق السياسة الخارجية والأمنية للاتحاد الاوروبي الأحد عن قلقه في شأن أعمال عنف جديدة. وقال سولانا للصحافيين في الخرطوم خلال زيارة تستمر يومين للعاصمة السودانية: "نحن قلقون في شأن انتهاكات الهدنة من جانب جميع الاطراف... اذا انهارت الهدنة سيكون من الصعب اصلاح الامر". ووعد الاتحاد الاوروبي بتقديم ما يزيد على مئة مليون دولار لتمويل نشر قوات اضافية قوامها ثلاثة آلاف فرد من مراقبي وقف اطلاق النار التابعين للاتحاد الافريقي في دارفور والتي يقول مسؤولون من الاتحاد الافريقي ان من المقرر ان تبدأ الخميس بعد تأخير عزته رواندا التي تشارك في هذه القوات الى أسباب فنية. وقال مفوض الاتحاد الافريقي للأمن والسلام سعيد جينيت ل"رويترز": "ابلغنا النيجيريين انه سيتم نشر قواتهم في 28 تشرين الأول اكتوبر. وسيتم نشر القوات الرواندية في 30 تشرين الأول. وهذا ما سيحدث". وفي دارفور حالياً 300 جندي من الاتحاد الافريقي يقومون بحماية 150 من مراقبي وقف اطلاق النار الهش في المنطقة التي تعادل مساحة فرنسا. وبدأت الجماعتان المتمردتان ثورة في غرب السودان في بداية 2003 بعد اعوام من المناوشات بين المزراعين وغالبيتهم من أصول أفريقية وبين العرب البدو على الارض. وتتهم الجماعتان الحكومة بتسليح جماعة مسلحة عربية تعرف ب"الجنجويد" لسحقهم او لسحق المتعاطفين معهم من المدنيين، وهو الاتهام الذي تنفيه الخرطوم. وأدى الصراع الى نزوح 1.5 مليون شخص من ديارهم. وتقدر الاممالمتحدة ان نحو 70 الف شخص ماتوا بسبب سوء التغذية والمرض في الشهور السبعة الاخيرة وحدها. ووصفت الولاياتالمتحدة حملة القتل والاغتصاب والنهب التي شنتها ميليشيا "الجنجاويد" بأنها ابادة جماعية وهدد قرار للامم المتحدة بفرض عقوبات على الخرطوم ان لم توقف العنف وتنزع أسلحة "الجنجاويد". ويقول كل من الحكومة والمتمردين انهم ملتزمون بالمحادثات التي يرعاها الاتحاد الافريقي ولكن انعدام الثقة بين الطرفين عميق. ويقول بعض مراقبي المحادثات في ابوجا ان كلاً من الجانبين له مصلحة في اطالة امد عملية السلام. ويقولون ان متمردي دارفور حريصون على ان يشهدوا تراكم مزيد من الضغط الدولي على الخرطوم وربما يريدون الانتظار ليروا ماذا سيحصل عليه متمردو الجنوب من امتيازات من الحكومة السودانية في اتفاق منفصل منتظر سينهي صراعاً دام عقدين من الزمن في أكبر دول افريقيا مساحة. وقال المراقبون ان الحكومة التي تعرضت لانتقادات كثيرة في شأن الازمة تهدف الى تحجيم الادانة الدولية من خلال اظهار رغبتها في التفاوض أملاً في صرف الانتباه الدولي. وقال شتين رايلاندر وهو مبعوث من وزارة الخارجية السويدية من فريق الوساطة: "اننا نحاول غرس الانطباع بضرورة الاسراع هنا لأن الوضع في دارفور لا يتحسن انه يسوء ويجب أن يكون هذا هماً لنا جميعاً". السودان يرفض طلباً أميركياً وفي الخرطوم الحياة، رفضت الحكومة السودانية طلباً من السفارة الاميركية في الخرطوم السماح لطائرتين عسكريتين بنقل قوات تتبع الى الاتحاد الافريقي من رواندا الى دارفور في غرب البلاد. وقال وزير الخارجية السوداني الدكتور مصطفى عثمان اسماعيل للصحافيين مساء امس ان حكومته رفضت الطلب الاميركي باعتبار انه لا يوجد اتفاق ثنائي في هذا الصدد، وطلبت ان يحال الى الاتحاد الافريقي لتحديد ضمانات محددة. وأوضح ان حكومته تطالب بضمانات في شأن استخدام الطائرات الاميركية في نقل قوات الاتحاد الافريقي وذلك بتحديد أيام معلومة لنهاية مهمة الطائرات حتى لا تسبب اختراقاً للأمن القومي السوداني. وحمل اسماعيل في شدة على الادارة الاميركية، وقال ان اعلان تخصيص طائرتين عسكريتين للمساعدة في نقل قوات افريقية الى دارفور رافقه تشويش متعمد، كما تسعى واشنطن الى عقد جلسة لمجلس الأمن في 18 تشرين الثاني نوفمبر المقبل لصرف الأنظار عما يجري في فلسطين والعراق. ودافع بشدة عن العمليات العسكرية التي يقودها الجيش في مواجهة متمردي دارفور واعتبرها دفاعاً عن النفس. واعترف بأن القوات الحكومية خاضت معارك في منطقة اللعيت جار النبي التي استولى عليها المتمردون واستردتها منهم. واتهم اسماعيل المتمردين باستغلال وقف النار للاستيلاء على مواقع جديدة، مؤكداً ان حكومته لن تسمح لهم بذلك وستدافع عن نفسها. واعتبر ذلك أمراً مشروعاً.