تفجيرات تعلن بزوغ الفجر في مخيم عين الحلوة. انتكاسات أمنية عدة. وضع أمني متوتر. يتأثر بأي حدث عربي أو عالمي لا سيما داخل الأراضي المحتلة، فينعكس استنفارات لا تلبث ان تتحول إلى اشتباكات بالأسلحة مخلّفة ضحايا، ومؤكدة هشاشة الوضع الأمني داخل المخيم، مع إصرار فعالياته السياسية على أنها حوداث عابرة ذات طابع فردي، يسعى بعضهم إلى تضخيمها. يمتد مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين على مساحة لا تتعدى كيلومتراً ونصف كيلومتر شرق مدينة صيدا في جنوبلبنان. وعلى رغم صغر مساحته، يصنّف "عاصمة" المخيمات الفلسطينية في لبنان، بسبب عدد سكانه الذي يناهز السبعين ألفاً. ستة وخمسون عاماً من انتظار تطبيق "حق العودة"، في ظل قيود وضغوط داخلية وخارجية، جعلت من مخيم عين الحلوة مجتمعاً قائماً بذاته يسعى إلى تسيير أموره وإدارة حياته. تركيبة مخيم عين الحلوة السياسية مجسّم مصغّر للتركيبة في الأراضي الفلسطينية، متأثرة بالجو السياسي في لبنان. والقوى السياسية داخل المخيم تندرج في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بجميع فصائلها على رأسها حركة "فتح" فالجبهتان الديموقراطية والشعبية... تليها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، اللتان تنضويان تحت لواء القوى الإسلامية. وينقسم المخيم تلقائياً بين هذه القوى لتجد ثقل "عصبة الأنصار" يتمركز في منطقتي السكة والطوارئ، في حين تحكم حركة فتح سيطرتها على منطقة "بستان اليهودي" ومناطق أخرى من المخيم. وكخطوة لاحتواء الأحداث والأوضاع الأمنية، شُكلت "لجنة المتابعة" من ممثلين عن الفعاليات والقوى السياسية كافة في المخيم. أمين سر حركة فتح خالد عارف يرفض تصوير أحداث المخيم على انها اقتتال داخلي، مؤكداً عدم رغبة الحركة في السيطرة على المخيم أو تهميش أي طرف من الأطراف. ويقول: "نحن نعتز بديموقراطية غابة البنادق". ويضيف ان حركة "فتح" تتحمل المسؤولية الكبرى بحكم حجمها، ولكن أمن المخيم "مسؤولية مشتركة وعلى كل فصيل ان يتحمل جزءاً منها". ويؤكّد ضرورة إنشاء أداة أمنية للجنة المتابعة التي تسعى إلى تقريب وجهات النظر واحتواء أي إشكال أمني لئلا يبقى دورها منقوصاً. وينفي عارف ان يكون هناك أي اعتراض على الكفاح المسلح كأداة أمنية، لكنه يعتبر ان مشاركة الفصائل الأخرى ستؤدي إلى تحصين الوضع الداخلي، وتطبيق "القانون" على الجميع من دون استثناء، او "استفزاز". بدوره الناطق باسم القوى الإسلامية داخل المخيم، الشيخ جمال خطاب يرى ضرورة تفعيل عمل لجنة المتابعة. ويؤكد ان المشكلة الكبرى تكمن في عمليات الاستنفارات الأمنية غير المبررة لا سيما من حركة فتح، ويضيف "منذ أيار مايو 2003 لم نقم بأي استنفار مضاد، سعياً إلى امتصاص أي تحرك استفزازي، لأننا على يقين بأن القوى الإسلامية مستهدفة عالمياً ولن نعطي المبرر لأي محاولة لتصفية هذه القوى". وعمّن يعرفون ب"جند الشام" يؤكد خطاب ان لا دخل لهم بأي أحداث مخلّة بالأمن وانهم بضعة أفراد، استُغل اسمهم الذي حمل دلالات عدة في اكثر من موضوع وحمّلهم التضخيم الإعلامي ما "لا قدرة لهم عليه". وينتقد خطاب زج اسم القوى الإسلامية في الأحداث الأمنية مؤكداً ان هذه الأحداث تؤثر سلباً في مخططات هذه الجماعات التي تهدف إلى نشر الدعوة من خلال نشاطات أهلية. نافياً أي تمويل خارجي لهذه الجماعات على رغم امتداداتها الإقليمية والدولية. "عقاب جماعي" من جهته، مسؤول لجنة الوساطة الفلسطينية - اللبنانية الشيخ ماهر حمود يرى أن التراشق بموضوع مطلوبين غير فلسطينيين موجودين في المخيم غير مجدٍ، لأن المشكلة ليست في وجود هؤلاء أو عددهم أو إلى أي فصيل ينتمون، وانما المشكلة تكمن في سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها السلطات اللبنانية في حق اللاجئين الفلسطينيين. ويشكك بالأحكام الصادرة بحق هؤلاء ويصفها بالأحكام السياسية، مشيراً إلى بعض الأحكام التي ألغيت بعد الحصول على تنازلات سياسية معينة. يجمع حمود مع الفصائل الفلسطينية، على "التضخيم الإعلامي" الذي يطاول وضع المخيم. ويستغرب تسليط الأضواء الإعلامية عليه مستنكراً تصوير المخيم على أنه بؤرة إرهابية، ويقول "معظم الانفجارات التي يعلن عنها في الإعلام ليست سوى مفرقعات وألعاب نارية". "نحن تحت القانون اللبناني، وخاضعون للسلطة اللبنانية" هذا ما أكدته الفصائل الفلسطينية كافة. مشيرة إلى ان عدم دخول الجيش اللبناني إلى المخيم رهن بالأوضاع العربية والإقليمية والدولية. سمفونية وضع اللاجئ الفلسطيني في لبنان لمخيم عين الحلوة أربعة مداخل أمام كل منها حاجز للجيش اللبناني يليه حاجز للكفاح المسلح الفلسطيني. مداخل أربعة نادراً ما تُفتح كلها في وقت واحد. وفي بعض الأحيان تنحصر بمدخل واحد، ما يجعل حركة العبور إلى داخل المخيم شاقة. ومع دخول المخيّم، تفقد أي اتصال بالمعالم العمرانية الحديثة. شوارع ضيقة لا تتسع لمرور سيارتين. بيوت متلاصقة توحي بعجز سكانها حتى عن التقاط أنفاسهم. شوارع متتالية تكاد لا تختلف بشيء وكأنها شارع واحد يتكرر في أكثر من مرآة. باب تظنه مدخل منزل، تدخله لتجد نفسك وسط حي كامل، أو أمام زواريب متفرعة لا تتسع لشخصين هذه المرة، إلا أن أرضها الإسمنتية تفتقر إلى الحفر التي تتمتع بها شوارع المخيم الرئيسية التي لم تعرف الزفت منذ مدة طويلة. سكانه مهجّرون من منطقة الجليل شمال فلسطين. حطّوا رحالهم في محطة يفترض أن يكون آخر طريقها "العودة". عائلات حاول أفرادها التآلف مع محطة الانتظار مع أشواقهم وحنينهم إلى قراهم ومدنهم، فأطلقوا أسماءها على الأزقة. فتجد في مخيم عين الحلوة حي الصفصاف وحي الزيب وحي المنشية وغيرها من أسماء قرى الجليل. ويتكتل أبناء القرية الواحدة في حي أطلقوا عليه اسم قريتهم، محتفظين بعادات وتقاليد ميّزت جذورهم، فرجال حيّ الزيب معروفون بحبهم للصيد، لقرب قريتهم من شاطئ حيفا. فيما تحمل النساء ملامح قراهن في طيّات أثوابهن، فترى العجائز في حي الصفصاف يرتدين البنطلون المربوط بكشكش تحت العباءة... شوارع نابضة بالحياة على رغم الفقر الواضح، محلات تجارية، مشاغل، وأسواق خضار يعمل فيها الأطفال إلى جانب الكبار. صور للرئيس ياسر عرفات تغطي جدران المنازل وتعلو أسطحها وتتدلى من أعمدة الكهرباء، تليها صور الشهداء من القادة الفلسطينيين كالشيخ احمد ياسين، وعبد العزيز الرنتيسي وأبو جهاد الوزير... أعلام فلسطين وشارات نصر وشعارات تدعم المقاومة وتندد بالاحتلال الإسرائيلي. واللافت صور لعمار حسن المشترك الفلسطيني في برنامج "سوبر ستار". محطات بنزين "أثرية". أشرطة كهربائية تتشابك بين العواميد وأسطح منازل أكثرها لا يتعدّى ثلاثة طوابق، بهت عن معظمها الطلاء فاكتفت باللون الإسمنتي لحجارتها، لتتناسق مع ألوان الشوارع الباهتة التي تتوسطها برك المجاري والمياه الآسنة. أطفال بعضهم حافي القدمين يلعبون وسط الشوارع، ما يزيد من صعوبة مرور السيارات. البنى التحتية العلمان الفلسطينيواللبناني وصور الرئيسين ياسر عرفات واميل لحود في مكاتب الفصائل التي يتألف أثاثها من بعض المفروشات المنزلية إضافة إلى كراسٍ جلدية، مراوح كهربائية للتبريد وهواتف للاتصال الداخلي. فالحكومة اللبنانية تمنع اتصال المخيّم بالشبكة الثابتة، بحجة ان السكان لا يمكنهم دفع الفواتير. وعن كيفية تأمين الكهرباء تشير اللجنة الشعبية الى انه تم وصل جزء من بيوت المخيم بالشبكة العامة وبالتالي يدخل الجابي ويحصّل فواتير الكهرباء من ذلك الجزء. أما الجزء الآخر الذي لم توضع لمساكنه عدادات، فاضطر سكانه الى "التعليق"، وتحيي اللجنة بالاتفاق مع الحكومة مقطوعية عن كل منزل وتُسلّم للمسؤول في شركة الكهرباء. من جهة أخرى، تطرح اللجنة الشعبية مشكلة السكن حيث اصبح المعدل الوسطي لسكان البيت الواحد ثمانية أشخاص، مشيرة الى عدم السماح بتشييد طوابق جديدة فوق المنازل القائمة. وتدق ناقوس الخطر في ما يتعلق بالوضع الاقتصادي العام للمخيم حيث فاقت نسبة البطالة 60 في المئة، في ظل قانون يمنع على الفلسطيني مزاولة اكثر من 70 مهنة. 475 حالة سرطان منظمة التحرير الفلسطينية كانت الداعم الأساسي للمخيمات إلى جانب منظمة الأنروا ولكن مع تدهور الأوضاع في الأراضي المحتلة، تركز عملها على تأمين صمود الأهالي في الداخل، ما انعكس سلباً على الأمور الحياتية كافة داخل المخيمات. مسؤولة الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية آمنة جبريل تحذر من كارثة حقيقية في ظلّ التقليص في خدمات الانروا لا سيما في ما يتعلق بالوضع الصحي. وتضيف أن داخل المخيمات ثلاثة مستوصفات، اثنين للانروا وثالثاً للهلال الأحمر. والحالات المعقّدة تعالج في مستشفى الهمشري في صيدا. وتستدرك "في عين الحلوة 475 حالة سرطان، غير مرضى الكلى والقلب المفتوح..."، التي لا تلقى العناية المطلوبة لعدم "أحقية" الفلسطيني بالاستفادة من تقديمات الضمان الاجتماعي، مع العلم ان على الموظف منهم دفع الرسوم المترتبة على أي موظف في المؤسسات اللبنانية. وتأسف لعدم تعاون أي مؤسسة لبنانية في قضايا الأطفال الفلسطينيين من ذوي الاحتياجات الخاصة، في غياب المقومات للتعامل معها داخل المخيمات. الأهل متفوقون تعليمياً على أطفالهم وضع المدارس داخل المخيم اقل ما يوصف بأنه "مزر". إذ أن بعض الدراسات التي أجريت أظهرت ان مستوى العلم عند الآباء اكثر تقدماً منه عند الأولاد، عازية السبب إلى عدم وجود كادر تعليمي مؤهل للقيام بهذا الدور إلى جانب كل ما يعانيه الطالب. ففي مخيم عين الحلوة 13 ألف طالب يتوزعون على تسع مدارس. وتوزّع ساعات التعليم على دوامين، بمعدل أربع ساعات للدوام الواحد. عدد الطلاب في الصف الواحد يتراوح بين خمسين وستين. والأنروا هي المسؤولة عن التعليم في المخيمات. والمنهاج المعتمد هو منهاج المدارس اللبنانية الرسمية. "سمفونية وضع اللاجئ الفلسطيني في لبنان"، بهذه العبارة وصفت آمنة جبريل الكلام عن أوضاع مخيم عين الحلوة، مضيفة "سئمنا الشعور بأننا متسولون، نحن لا نطالب بأكثر من حقوقنا المدنية". لتجمع بقولها هذا مع قيادات وفعاليات وسكان عين الحلوة، بشرائحهم كافة، على أن إعطاء اللاجئ الفلسطيني حقوقه المدنية لا يتعارض مع "حق العودة"، وإنما يدعمه. وهم يرفضون الربط بين الحقوق المدنية للفلسطينيين وقضية التوطين، مؤكدين أن الفلسطينيين يرفضون قضية التوطين شكلاً ومضموناً، وان أي فلسطيني لن يقبل التوطين في دولة ملاصقة لوطنه.