"كأنّو في شكل سوري وشكل مش سوري!"، "أنا سوري من دمشق"، "لا أبيع الكعك"، "لست الناطق الرسمي باسم الحكومة السورية"، "لست ناطوراً ولا أعمل في العمارة"، "أنا مثلي مثلكم"، "التعميم يعكس نظرة مسطّحة للأمور"... عبارات يطلقها الطلاّب السوريون الذين يقصدون الجامعات اللبنانية، حيث يضطرّوا أن يسمعوا ويتفهّموا في بعض الأحيان بعض عبارات قاسية وعنصريّة من زملاء لبنانيين. شكّلت جامعات لبنان عامل جذب للكثير من الطلاب العرب، لمستواها العالي وتنوّع اختصاصاتها. وازداد عدد الطلاّب العرب في الجامعة الأميركية والجامعة اللبنانية الأميركية تحديداً، بصورة ملحوظة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول سبتمبر وما حملته من صعوبة في الحصول على تأشيرة دخول إلى أميركا. ويتصدّر الطلاب السوريون من ابناء الفئات المرتفعة الدخل، قائمة الطلاب العرب في الجامعتين المذكورتين من حيث العدد، وذلك لأسباب عدة أهمّها قرب لبنان إلى سورية وعدم توفّر بعض الإختصاصات كالمعلوماتية في الجامعات السورية. ومنذ أن أقرّ الكونغرس الأميركي "قانون محاسبة سورية" ومع التمديد لولاية رئيس الجمهورية اللبنانية اميل لحود، الذي تزامن مع صدور القرار 1559، عادت وتعالت أصوات قسم كبير من اللبنانيين مطالبة بتحسين العلاقة السوريّة-اللبنانية الرسمية على أسس واضحة ومنظّمة وذلك من أجل مصلحة البلدين. إلاّ أنّ واقع الطلبة السوريين في الجامعات اللبنانية يشير إلى أنّ أمر المحاسبة ليس جديداً عليهم، فلطالما تمّ التعاطي معهم وكأنّهم ممثّلو الحكومة السورية في لبنان. "المحاسبة تأتينا كل يوم من بائع الكعك لسائق التاكسي وصولاً إلى الطلاب". يقول الطالب علاء الدين عبد الحليم رابع سنة معلوماتية - الجامعة اللبنانية - الأميركية - بيروت. ويجمع الطلاب السوريون على أن الإحساس بالغربة ليس موجوداً، فهم يعتبرون لبنان بيتهم الثاني لأنّ الشعبين متشابهان إلى حدّ كبير. إلاّ أنّ مفهوم هذا البيت الثاني يختلف أحياناً بحسب الظروف ومع الوقت، فهل هو بيت الأمّ أو زوجة الأب؟ "في أميركا أحسست بالغربة إلاّ أنّني لم أحس أنّه غير مرحّب بي. في لبنان أحسست أنّني سوري"، يقول سامي أرناؤوط ثالث سنة معلوماتية - الجامعة الأميركية في بيروت. سامي كان تلميذاً في بوسطن عندما حصلت أحداث أيلول، لكنّه لم يتعرّض حينها لأية معاملة سيّئة من قبل الأميركيين. يفهم سامي كما غيره من الطلبة السوريين أنّه عندما يطلق اللبناني كلمة سوري على أحد، فهو لا يستعملها بمعناها الصحيح، أي للإشارة الى حاملي الجنسية السورية، بل أنّ الكلمة في قاموس بعض الشباب اللبناني، تحمل معاني كثيرة وتعكس تبنياً لمواقف مسبقة. ويرى سامي أن "عقليّة اللبناني تسعى دائماً إلى تصنيف الأشخاص فلا تسأل من أنت بل من أين أتيت، عندها يتمّ تصنيفك في علب جاهزة، ويضيف: "أصبح أنا الذي كنت عربياً في أميركا، سورياً من دمشق في لبنان". إلاّ أنه يدرك أنّ هذه العلب الجاهزة لا تقتصر فقط على السوريين، "فاللبنانيون يصنّفون بعضهم بعضاً ايضاً". هذا ما تؤكّده الطالبة لمى طرابلسي ثالث سنة إدارة أعمال - الجامعة اللبنانية - الأميركية الّتي ترى "أنّ نحو ربع الطلاب اللبنانيين بطبيعتهم متعصبون وخاصة تجاه السوريين". وتضيف: "أعرف أنّ بعض الأشخاص لديهم حساسية تجاهنا، إلاّ أنّني أتجنّب الإختلاط معهم". يتحدّث علاء الدين عن العنصريّة التي يتعرّض لها الطلاب السوريون، وتبدأ من الدهشة التي يراها على وجوه الأكثريّة عندما يعرفوا أنّه سوري ويدرس في الجامعة اللبنانية - الأميركيّة. "إنّ الإعتقاد السائد في لبنان هو أنّ السوري لا يدخل مثل هذه الجامعات فنحن كما يعتقدون فلاحون وعمّال وعسكر". "يشعر السوري أنّه غير مرحّب به هنا مقارنة مع الطالب العربي"، يعقّب زميله ماجد خلف. أن تكون سورياً قد يكون له إيجابيّاته، فالطالب جميل أحمد رابع سنة علوم طبيعية - الجامعة اللبنانية - الأميركية لم يواجه أيّ مشكلة لأنّ وضعه يختلف عن العامل السوري، بينما قد تعرّض زميله السعودي للنصب نظراً للإعتقاد السائد أنّ الخليجيين "دفّيعة". يشارك طلاّب الجامعة اللبنانية - الأميركيّة السوريون في الحياة الطلاّبية والسياسية من خلال "التجمّع السوري" الذين أنشأوه، وقد نظموا السنة الماضية سلسلة من النشاطات مثل معرض صور عن الجولان المحتلّ. أمّا النادي الثقافي السوري في الجامعة الأميركية في بيروت فيقوم بعدد من النشاطات الثقافية سنوياً مثل معارض رسم لفنانين سوريين واستضافته للفرقة السورية "كلنا سوا". على رغم أنّ التجمّعات السوريّة في كلتا الجامعتين تتجنّب الدخول في اللعبة السياسية الطلاّبية، فإن عدد الطلاب السوريين الكبير أعطاها ثقلاً في الإنتخابات جعل بقية الأطراف تسعى للتحالف معها. هذا الأمر لم يمنع الطلاّب في الجامعة اللبنانية الأميركية من تشطيب مرشّح سوري في إنتخابات السنة الماضية فقط لأنّه سوري. على صعيد آخر، فاز نديم عطري ثالث سنة إدارة أعمال - الجامعة الأميركية بمقعد في مجلس الطلبة. وعن تجربته يقول: "إذا قرّر السوري أن ينزل الى الإنتخابات، عليه أن يأخذ في الإعتبار الوضع على الساحة السياسية ومدى التوتّر الذي يسود علاقة البلدين". حورب نديم في الإنتخابات من قبل العونيين، إلاّ أنّه يرى أنّه استطاع أن يقيم علاقات صداقة معهم. عندما أعلن فوزه في الإنتخابات، حمل السوريون العلم السوري، الأمر الذي أدّى إلى إزعاج فئة من اللبنانيين. يتحدّث جميل عن حادثة مزعجة حصلت معه عندما كان يشارك مع النادي الثقافي السوري في جمع التبرّعات لإرسالها إلى العراقيين. فقد سألته فتاة إن كان عراقياً، وعندما عرفت أنّه سوري، أدارت وجهها ومشت. من هنا، يرى نفسه مجبراً أحياناً على الدخول في نقاشات سياسية. "أنا قادر على الرد وإيضاح المسألة بالنسبة للبعض. لن أسمح لأحد أن يمسّ وطني بسوء أو أن يتكلّم أي كلام بلا معنى. الفساد متفش في كل العالم. لا أمثّل الحكومة السورية، أنا وطني. أمثّل نفسي"، يقول جميل بحزم. وعلى عكس جميل، ارتأى قسم آخر من الطلاب السوريين وخصوصاً الإناث ان لا يعطوا اهمية لما يسمعونه من اساءات، فالطالبة رنا مالكي ثاني سنة تغذية - الجامعة الأميركية لا تدخل في المواضيع السياسية مع الناس: "يعاملونني كفرد وأتجنّب الإحتكاك مع الذين يكرهوننا". يجمع الطلبة السوريون على أنّ القرار 1559 لم ولن يؤثّر على حياتهم الجامعية. والسبب يعود بحسب رأي علاء الدين إلى كون القرار سياسياً وأثره بالتالي سيكون على العلاقة السياسية بين البلدين، "فالوجود الإجتماعي السوري والعلاقة بين الشعبين، لن تتأثّر بالمجريات الحاصلة على الساحة السياسية، أتصوّر أن أي شيء لن يغيّر التداخل التاريخي والجغرافي بين البلدين والمصاهرة بين عائلتين تنتميان إلى مجتمعين متقاربين". ويرى جميل أنّ الذي يستطيع أنّ يحلّل الأحداث الجارية حوله بمنطق ورويّة، لن تتأثر معاملته للطلبة السوريين، وبالتالي لن يتشابك مع أناس جاؤوا للدراسة في بلده.