سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
السينما العالمية عند مفترق طرق حاسم بين موسم استعراضي للصغار وآخر يطل به المبدعون . من بومباي الى عصر الجليد مروراً بتربية المودافار السيئة والبحث المؤسي عن ماضي الأب
جيد... لقد تمكن بعض الأفلام من اجتياز حاجز نصف البليون دولار، كمدخول، خلال العام 2003، ومن هذه الأفلام "قراصنة الكاراييب" و"عالم ينمو" رسوم متحركة، واقتربت من الرقم نفسه افلام اخرى منها "ماتريكس... ثورة" و"عودة الملك"... ومع هذا من الواضح ان العام 2003 كان عاماً سيئاً بالنسبة الى السينما العالمية في شكل عام، ولا شك في ان الأحداث السياسية الحرب الأميركية على نظام صدام حسين لعبت دوراً في هذا. ولكن لا يمكن الوقوف عند هذه الحقيقة والتغاضي عن بعض الحقائق الأخرى التي قد لا تكون فائقة الأهمية في الشأن العام، لكنها مهمة بالنسبة الى السينما. ومن هذه الحقائق ان السينما نفسها تعيش فترة انتقالية حقيقية. إذ حين لا يتمكن مهرجان مثل "كان" في دورته الأخيرة من الحصول على اكثر من دزينة من الأفلام الجيدة، ويعطي "البندقية" جائزته الكبرى لفيلم روسي مثير للجدل، ولم ير سوى قلة انه تحفة فنية. ويكون الحدث الفني في السينما العالمية فيلم "وداعاً يا لينين" الألماني الذي يمكن ان يعتبر كل شيء باستثناء "تحفة فنية" تعيد بناء فن السينما من جديد كما كانت تفعل افلام فلليني وبرغمان وفسكونتي وكوبريك بين آخرين، حين يحدث هذا يكون ثمة ما ليس على ما يرام في مملكة الفن السابع. نجاحات... ولكن في السياق نفسه علينا ان نلاحظ ان الأفلام الأكثر نجاحاً، كانت الأفلام المتوجهة اكثر وأكثر الى الجمهور الأصغر سناً، وليس من بينها عمل يمكن ان ينسب الى مخرجه او الى مؤلفه، ما يعني ان الانتصار كان لعالم الاستعراض لا لعالم الفن. فهل يعني هذا ان "فن" السينما في طريقه الى الموت؟ إن كانت السينما نفسها تعيش حياة مزدهرة؟ ان التسرع بالإجابة عن هذا السؤال لن يبدو امراً صحياً... وبخاصة اذا ما رصدنا ما الذي سيحدث خلال عامنا الجديد 2004. وأيضاً إذا ما رصدنا بعض الإشارات الصغيرة التي حفل بها عام 2003 الذي نشكو منه، مع هذا. ففي هذا المجال الأخير، لا بد من ان نلاحظ أن سينمات "المؤلفين" الخاصة، حتى ولو حملت بعض التنازلات التجارية، حققت نجاحات كان من الصعب تحقيقها في الماضي الدليل "قسوة لا تهاون معها" للأخوين كوين، وفيلم وودي آلن الجديد، و"عصابات نيويورك" لسكورسيزي، بين اعمال اخرى. ولا بد من ان نلاحظ ان السينما الاستعراضية الكبيرة نفسها، لم تكن كلها مجانية واستعراضية فارغة "هاري بوتر" و"عودة الملك" مثلاً... وكذلك علينا ان نلاحظ ردود الفعل على "اقتل بيل" لكوينتن تارانتينو. بل حتى نجاح فيلم "شوشو" للجزائري مرزاق علواش في فرنسا في شكل استثنائي، يمكن ان يقول لنا شيئاً. غير ان الأهم من هذا كله هو ما سيحدث في العام الذي بدأ لتوه... والرصد هنا قد يبدو اكثر دلالة ومغزى. فإذا كان العام الجديد يفتتح على نجاح كبير - نقدياً... وجماهيرياً كما نأمل - لفيلم مستغل هو "صناع في الترجمة" حققته صوفيا، ابنة فرنسيس فورد كوبولا، في اليابان، وهو الثاني لها بعد الأول الحميم "العذراء تنتحر" فإن هذا الواقع يجب ان يضعنا على سكة تفكير مغاير، بخاصة ان نجاح فيلم صوفيا كوبولا، يأتي تالياً مباشرة لنجاح - قد يكون اقل اهمية - حققه فيلم امرأة اخرى هي جين كامبيون وعنوانه "عند القطع". إذاً نحن هنا، ايضاً، امام فيلم مؤلفة... وأمام فيلم "صعب" في الوقت نفسه. ومع هذا عثر الفيلم على جمهوره. وفي هذا الإطار، واضح ان حضور هاتين السينمائيتين عند منعطف العامين، سيكون إشارة بدء الى حضور طاغ، لمؤلفين سينمائيين غابوا العام الفائت. وإذا كانت المواعيد المقررة لعروض افلام بعض هؤلاء تشي بأنهم سيغيبون عن مهرجاناتهم المعتادة - "كان" مثلاً - فإن حضورهم بقوة من الممكن ان يكون دافعاً لبعث الحياة في السينما نفسها كفن، وليس كاستعراض للمراهقين فقط. كلهم هنا قد يكون من الصعب توقع عرض جديد اوليفر ستون عن "الاسكندر الكبير" خلال هذا العام، او قبل نهايته على الأقل، لكن امير كوستوريتسا، الغائب منذ "قط اسود قط ابيض" 1999، سيحضر من خلال فيلمه الجديد "الحياة معجزة" الذي تدور احداثه على خلفية حرب البوسنة ما يعطيه قيمة مزدوجة وسيحضر انكي بلال - وهو مخرج نخبوي آت من الشرائط المصورة لأفلامه جمهورها الخاص جداً - من خلال فيلم "خالد" الذي تدور احداثه اوائل القرن الثالث والعشرين في نيويورك. وتيم بورتون صاحب "سليبي هالو" و"إدوارد ذو الأصابع المقص" سيحضر بدوره من خلال فيلم، ربما سيكون الأكثر حميمية بين افلامه، عن ولد يحاكم ماضي ابيه بعد ان سبق له ان رفض هذا الأب طويلاً. وهذا الفيلم يشكل عودة للإنكليزي المتميز ألبرت فيني في دور الأب. والأميركي "المنشق" - جزئياً الآن روبرت آلتمان يعود بدوره من خلال فيلمه الجديد "الفرقة" الذي يخوض فيه تجربة جديدة عن ممثلين وراقصين في فرقة مسرحية راقصة يجدون انفسهم يعيشون نوعاً من الاندماج بين حياتهم الشخصية والمهنية. اما بيدرو المودافار، نجم الإخراج الإسباني الكبير، والذي كان امدّ الفن السابع خلال نصف العقد السابق برائعتيه "كل شيء عن امي" و"تكلم معها" فإنه بدوره يعود هذه المرة من خلال فيلم "سيرة ذاتية" عنوانه "التربية السيئة" صوره اخيراً، ويستعرض فيه الكيفية التي تعلم وتربى بها في مدرسة كاثوليكية صارمة ايام حكم فرانكو الديكتاتوري في إسبانيا. والصيني - الذي اضحى الآن جزءاً اساسياً من السينما الأميركية - جون وو، يعود بدوره في فيلم خيال علمي قد لا يكون له عنف افلامه السابقة المليئة بالرصاص والدماء، غير انه يتسم ببعض صفات ميزت افلامه ومنها التعامل مع الكومبيوتر وقضية الذاكرة، وهذه المرة من خلال بطله الذي، إذ تكلفه حكومته بمهمة سرية، تمحى ذكريات آخر ثلاث سنوات من حياته. في مقابل كل هذا الجديد، قد يبدو فيلما ميل غيبسون "الآلام" وأنطوني منغالا "الجبل البارد" قديمين الآن، إذ لطالما دار الحكي عنهما خلال الشهور السابقة، ولا سيما عن الأول بسبب المعركة التي يجابه من خلالها الأوساط الدينية الكنسية واليهودية التي لم تبد راضية عن اسلوبه في معالجة آخر 12 ساعة من حياة السيد المسيح. وهذا ما أخر عرضه الى الآن. اما فيلم منغالا، فهو واحد من الأفلام الأكثر تداولاً للفوز بعدد من اوسكارات هذا العام ومن بينها - كما يشاع - اوسكار احسن فيلم وأحسن مخرج وأحسن ممثل - جودلاو - وربما احسن ممثلة ايضاً - نيكول كيدمان، وهذا الفيلم تدور احداثه خلال الحرب الانفصالية، من خلال حكاية لا تبعد كثيراً عن "اوديسة" هوميروس. بوتر... والفرنسيون كل هذه الأفلام تعتبر، منذ الآن قيماً مضمونة، ولكن ليس على المستوى الذي يمكن فيه ضمان افلام اخرى، هي في حقيقتها استطراداً لنجاحات سابقة. فإذا كان كوينتن تارانتينو شكل بفيلم "اقتل بيل" حدث العنف السينمائي في العام 2003، فمن المؤكد ان "الجزء الثاني" من هذا الفيلم نفسه سيكون حدث العام 2004. وكذلك سيأتي "شريك 2" بالرسوم المتحركة ليحصد نجاح "شريك" 2002. وهاري بوتر سيواصل مسيرته السحرية - المغامرة من خلال الفيلم الجديد "هاري بوتر أسير اركابان"، وستيفن سامرز سيعود الى الدكتور "فان هلسنغ" في فيلم جديد عند الطبيب الذي ابتكر طريقة ما لمحاربة الغيلان. وفرنسا بدورها تخطو هذا العام على الطريق الأميركية فتقدم، ولكن من اخراج اوليفييه واهان، جزءاً ثانياً لفيلم "الأنهار القرمزية" الذي كان ماثيو كاسوفتش، حقق جزأه الأول قبل اعوام. وفي مجال مشابه، ولكن ليس استكمالياً تماماً، ها هو جان - جاك آنو الذي كان حقق اكبر نجاح في حياته المهنية عبر فيلم "الدب" قبل نحو عقدين، ها هو يعود الى عالم الحيوانات ليقدم فيلمه الجديد "الأخوين"، الذي يتوقع له منذ الآن نجاح كبير، إذ يتحدث عن نمرين شقيقين فُرّقا منذ طفولتهما. ولمناسبة الحديث عن فرنسا، لا بد من ان نذكر ان السينما الفرنسية تراهن منذ الآن على "الشقيقين" ولكن ايضاً على "الأميركي" لباتريك تمسين الذي سيقول مواربة كل ما يعتقده الفرنسيون إزاء الأميركيين، كما على بضعة افلام اخرى تحاط منذ الآن بدعاية واسعة، منها فيلم "سان انطونيو" من تمثيل جيرار ديبارديو. وخصوصاً على "يوم احد طويل للخطوبة" من اخراج جان بيار جونو وبطولة اندريه توتو الثنائي نفسه الذي حقق قبل سنوات "معجزة" "اميلي بولان" التجارية المفاجئة. ومن فرنسا ايضاً ثمة قيمة مضمونة اخرى يمثلها فيلم "ارسين لوبين" عن مغامرات اللص الظريف، في عودة إليه بعد سنوات غياب عديدة... امتحان نهائي طبعاً من الصعب القول ان هذا كل شيء... فهذا كله ليس سوى غيض من فيض... وهو بعض ما يجري الحديث عنه منذ الآن، وأكثره يأتي من الولاياتالمتحدةوفرنسا. لكنه سيكون بالطبع، جزءاً اساسياً من الأحداث السينمائية للعام الذي بدأ لتوه... فإذا ما اردنا مواصلة الرصد سنجدنا امام افلام رعب من نوع جديد "ملعونة" لغيبس كرافن من تمثيل كريستين ريتشي، وأمام خيال علمي "اليوم بعد الغد" لرولاند ايمريش وأفلام الجريمة وعلى رأسها بالطبع جديد الأخوين كون "قاتلو النساء" الذي هو، في حقيقته، إعادة انتاج لفيلم كان ألكسندر ماكندريك حققه في الخمسينات. غير ان الأجمل بين كل هذه الأفلام سيكون بالطبع فيلم "الكوكب الأزرق"، وهو فيلم تسجيلي حققه آلاستير فوزرجيل وأندي بيات، عن عالم البحار وأسماكها وحياتها الداخلية. فالحال ان المشاهد القليلة التي عرضت من هذا الفيلم، حتى الآن، تقول سحراً ربما لم يسبق للسينما ان دنت منه. لكن السحر سيتجلى اكثر وأيضاً في عبق التاريخ، بخاصة من خلال فيلمين قد يعرضان معاً في مهرجان "كان" المقبل - بل يقال ان احدهما سيعرض في افتتاح الدورة المقبلة ل"كان" - وهذان الفيلمان هما "الملك آرثر" من إخراج انطونيو فوكوا، عن حكاية حياة وبطولات الملك آرثر بعيداً من الأساطير التي حبكت من حوله، و"آخر ايام بومباي" في عودة الى حكاية حروب طروادة ومآسيها من اخراج وولفغانغ بيترسون وبطولة براد بيت وبيتر اونول. والمرجح ان هذا الفيلم، سيعتبر الأكثر كلفة بين افلام هذا العام. وللتيقن من هذا، ومما اذا كان الجمهور العريض سيقبل حقاً على هذا النوع من الأفلام، بعد غياب، علينا ان ننتظر العرض العالمي للفيلم اواسط ايار مايو المقبل، اي تالياً لعرضه في "كان" إن عرض هناك. اما الأفلام الأخرى فربما لا نكون في حاجة هنا الى القول انها عند وصول هذه السطور الى القراء، ستكون بدأت تطل، واضعة السينما امام امتحانات عسيرة موضوعها: ها هي السينما تقدم افضل ما عندها وعند مبدعيها منذ سنوات عدة، فكيف ستكون استجابة الجمهور... العريض.