مع تأكيد الحكومة اليابانية رسميا امس ارسال جنود الى العراق في اول عملية انتشار عسكري في منطقة معارك منذ 1945، طوت اليابان صفحة سلمية من تاريخها استمرت نصف قرن وامتنعت فيها عن أي نشاط عسكري لتدخل مرحلة تاريخية جديدة تقود الى "تطبيع" دورها على الساحة الدولية. واعتبر الاستاذ في جامعة كيوتو تيروماسا ناكانيشي ان ارسال فرقة من قوات الدفاع الذاتي الى منطقة ذات مخاطر يشكل "المرحلة الاولى على طريق اضطلاع اليابان بسيادتها في الشؤون العسكرية مثل اي دولة طبيعية". وقال احد اليدبلوماسيين ان "جيلاً بكامله يريد ان يرى اليابان مثل دولة طبيعية. والعراق هو فرصتها من اجل ذلك". ويشدد رئيس الوزراء الياباني جونيشيرو كويزومي المقرب كثيراً من الولاياتالمتحدة على الطابع "الانساني" للتدخل في العراق، مرددا ان اليابان "لا تذهب الى الحرب". لكن على رغم هذه التأكيدات، فإن المهمة ستكون بمثابة اختبار وفق ما اكد وزير الدفاع شيجيرو ايشيبا، وهو من صقور الطبقة السياسية الذين يريدون لليابان وجيشها ان يلعبا دوراً ناشطاً أكثر في الازمات الدولية. وقال الوزير ان طوكيو لم تعد تريد ان تعتبر مجرد "آلة لتوزيع البطاقات". وكتبت صحيفة "سانكي شيمبون" ان "اليابان كانت تكتفي حتى الان بتقبل النظام العالمي المفروض. وارسال فرقة من قوات الدفاع الذاتي الى العراق يشكل خطوة اولى لمشاركتها في بناء نظام عالمي جديد". والواقع ان العراق ليس سوى ذريعة، ولو ان اليابان تستمد من الشرق الاوسط 90 في المئة من حاجاتها النفطية. وقال خبير طالباً عدم كشف هويته: "السبب الحقيقي ليس العراق ولا حتى كوريا الشمالية، بل الصين. فالخطر الحقيقي بالنسبة لليابان يكمن في دولة صينية عدوانية". وبدأ القادة اليابانيون عملية تأمل واعادة نظر استراتيجية واسعة النطاق في قدراتهم الدفاعية، ستنبثق عنها توجهات عسكرية جديدة خلال الاشهر المقبلة. ويرى هؤلاء ان على اليابان التخلي عن الانماط الاستراتيجية للحرب الباردة والتي تقوم على افتراض اجتياح سوفياتي لمواجهة "التهديدات الجديدة" التي برزت بعد احداث 11 ايلول سبتمبر. غير ان هذا التغيير في الاولويات يصطدم بالدستور الذي وضع عام 1946 وأرسى عقيدة التمسك بالسلام، محظرا على اليابان اللجوء الى حق الدفاع الجماعي، وبالتالي المشاركة في عمليات عسكرية دولية.