سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
سكان الجنوب يشككون بالأهداف ... والصادرات الكويتية تقتصر على الأجهزة المستهلكة أو التالفة وسيارات الكسر! . الاستثمارات الكويتية في العراق تتأجل "حتى اشعار آخر" والبحث عن شركاء في دول الجوار
انقلبت الأدوار في تجارة الكويتيين مع العراق. فبعدما ساد قبيل انتهاء الحرب الأميركية - البريطانية ضد صدام حسين ونظامه في بغداد، وهم اقليمي ودولي ربما مفاده أن الكويت ستكون القاعدة التي سينطلق منها المتطلعون إلى "كعكة العراق الإعمارية والتجارية"، أصبح الكويتيون الان في رحلة بحث طويلة تمتد من أميركا إلى بريطانيا مروراً باستراليا وبولندا وبلغاريا ووصولاً إلى الأردنولبنان والإمارات والبحرين والسعودية، لإيجاد شركاء لهم في أي صفقة تجارية محتملة في العراق. عشرات الوفود الاقتصادية والتجارية من الدول حول العالم أمّت الكويت في النصف الأول من السنة الجارية لشبك علاقات مع تجار ورجال أعمال كويتيين، إلا أن مياهاً كثيرة عبرت تحت الجسور منذ ذلك الحين، وتغير مجرى الريح. فالأوضاع الأمنية في العراق ساءت على نحو لم يتوقعه عدد كبير من المتفائلين بقطف ثمار النصر السريع الجالب للربح الوفير. تعرض عشرات الكويتيين لإهانات وأعمال سلب وقرصنة من قبل عراقيين، حتى أن اثنين من تجار الأغنام والابل قتلا الأسبوع الماضي، الأمر الذي جعل "المغامرين" الكويتيين الباحثين عن ثروة إضافية في التجارة مع العراق يراجعون حساباتهم كلياً. كما أن اشكالاً أمنياً حصل عند منفذ العبدلي تبادل فيه الكويتيونوالعراقيون حرس حدود وغيرهم شتى صنوف الاتهامات والشتائم، واستنفر الرسميون الكويتيون ليعلنوا إمكان اغلاق الحدود أمام العبور المدني مرحلياً. وجاء اغتيال الزعيم الشيعي العراقي محمد باقر الحكيم ليعزز احتمالات ضبط الحدود بقبضة لا تعجب التجار المغامرين، بعدما صدرت اتهامات عراقية أصابت شظاياها الكويت من باب منفذ العبدلي الذي قيل ان من اغتال الحكيم عبر منه إلى العراق. ولم يغفل الرسميون في الكويت سهام تشكيك وجهها عراقيون في شأن ارتفاع أسعار اللحوم والبحص صلبوخ والنحاس، لأن "مافيات تهريب" استغلت الفلتان العراقي وجعلت الحدود مع الكويت مسرباً لكل هذه البضائع التي شُحت في بعض الأسواق العراقية فارتفعت أسعارها بفعل تهريبها إلى الجوار. وازداد الشك العراقي لأن مجلس الوزراء الكويتي لم يسمح إلا لسلعتين فقط بدخول البلاد من العراق هما المواشي خصوصاً الأغنام والبحص الصلبوخ باستثناءين لم تبررهما القرارات الحكومية، علماً بأن هاتين السلعتين من السلع المدعومة الأسعار. كما شكا عراقيون من تهريب مادة البنزين على نحو غير منظم، لكنه مؤثر، إذ باستطاعة العائد من العراق تحميل ما استطاع تحميله من هذه المادة بكلفة لا تساوي ربع ما يدفعه في الكويت لقاء شراء هذه المادة الوفيرة في البلد النفطي الكبير! وبعدما كانت شركة "بكتل" الأميركية توفر العقود لشركات كويتية في ميناء أم قصر والبصرة، عادت لتراجع دفاترها في ضوء التطورات. وها هي تغدق العقود على الشركات العراقية من الباطن إلى جانب الشركات الأميركية والبريطانية بطبيعة الحال. وعلت صيحة الشركات الكويتية التي بدأ ممثلوها بتوجيه اتهامات شبيهة بالاتهامات التي وجهتها شركات عربية أخرى للأميركيين في شأن "عدم عدالة" توزيع العقود. وخاب ظن أغلب شركات الكيبلات والاسمنت والخرسانة، فضلاً عن شركات المقاولات والتجارة العامة. والمشهد حالياً هو كالآتي: يقتصر التبادل التجاري بين العراقوالكويت على عدد قليل من السلع. 20 ألف سيارة فالاستيراد من العراق مقتصر على المواشي والبحص للأسباب الآنفة الذكر. والتصدير إليه مقتصر على السيارات المستعملة التي لا تصلح في الكويت إلا لورش السكراب أو "الكسر". وتم خلال شهر ونصف الشهر تصدير ما يزيد على 20 ألف سيارة، أسعار الواحدة منها تراوح بين 1000 و3000 دولار حداً أقصى بالنظر إلى القدرة الشرائية المتواضعة للعراقيين حالياً. وينسحب مثال ذلك على الأثاث المستعمل والأدوات الكهربائية المستعملة وأجهزة الهاتف النقال التي كانت محكومة بالتلف، وإذا بطاقة من السماء تفتح لها وتتحول مادة يجني منها تجار الشنطة بعض مال المغامرة التجارية، وهكذا دواليك، مروراً بكل السلع التي لا يشكل تبادلها تجارة بكل ما للكلمة من معنى. ويصف مصدر جمركي كويتي رفيع المنصب هذه "التجارة" بأنها نظفت شوارع الكويت وبيوتها وورشها من "بقايا" احتار الناس كيف يتصرفون بها. أما بالنسبة إلى العقود الكبرى، فالمشهد هو كالآتي: حذر المصرف المركزي من تمويل خارج البلاد يتم فيه التوسع على حساب معايير الحيطة والحذر وأخذ الاحتياطات اللازمة، والعراق هو المعني بذلك طبعاً. قدم "بنك برقان" خدمة بطاقات الائتمان مسبقة الدفع لرجال الأعمال العراقيين في الأردن وليس في الكويت. دخل "البنك الوطني" في كونسورتيوم دولي على رأسه "جي بي مورغان" لتأسيس بنك التجارة العراقي، إلى جانب 13 مصرفاً دولياً لحجز مقعد للمستقبل ليس إلا. لجأت شركتا الاتصالات المتنقلة "ام تي سي" و"الوطنية" إلى شركاء عراقيين لتأسيس شركتين يمكن بهما دخول مزايدة تشغيل 3 رخص نقال في العراق. لجأت شركات "المخازن وسلطان للمواد الغذائية والاستهلاكية" إلى التوسع في الأردنوالبحرين والإمارات، فضلاً عن لبنان والسعودية للتمكن من تلبية عقد ابرم مع القوات الأميركية تصل قيمته السنوية إلى 350 مليون دولار، ما يعني أن الكويت وحدها ليست قاعدة للتجارة مع العراق، ولا حتى قاعدة لخدمة قوات "التحالف" فقط. أسست شركة "غلوبل" شركة "العراق القابضة" برأس مال كويتي - عربي يصل إلى 200 مليون دولار، وغطت الاكتتاب فيه منذ أكثر من 3 شهور، والشركة "ستاند باي" مستعدة لخوض غمار الاستثمار في العراق، لكن الظروف الأمنية تحول دون ذلك، ومصير الاكتتابات الايداع في المصارف حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً. تداعى أصحاب الفنادق الكبرى لتأسيس شركة "الزاد" الفندقية، وهدفها الاستثمار في بناء فنادق جنوبالعراق، وتحديداً في النجف وجوارها، وذلك منذ أكثر من شهرين. وغابت تلك الشركة عن السمع، لأن صوت الفتنة في النجف أعلى من أي صوت آخر هذه الأيام. أسست "مجموعة المشاريع" شركة "المتحدة للطيران" المتخصصة بنقل رجال الأعمال والعائلات، وأعلنت أن هدفها الأول نقل المستثمرين إلى العراق، لكن الرحلات الأولى كانت إلى تركيا، فأجواء العراق غير مفتوحة بعد. تأسس شركة "اداكس" برأس مال أساسي من الكويت لعقد صفقات مالية واستثمارية في المنطقة عموماً والعراق خصوصاً، وهي بدأت بصفقات تجارة نفطية من البحرين وليس من الكويت. يسعى التجار الكويتيون لرأب الصدع مع نظرائهم السعوديين بعد تصريحات سعودية عن ضرورة التخلي عن شركاء كويتيين في التجارة مع العراق، لأن ذلك يرفع الكلفة، وشفعت تلك التصريحات بمطالبة السلطات السعودية بفتح منفذ جديدة - عرعر الحدودي مع العراق. بدأت وفود رجال الأعمال الكويتيين تتوالى إلى الأردنولبنان وسورية والإمارات والبحرين لخطب ود مستثمرين أصحاب أفكار للعراق أو أصحاب مداخل ومفاتيح في هذا البلد بفعل صفقات النفط مقابل الغذاء التي أفاد منها هؤلاء ابان الحظر على العراق.