خمسة عشر عاماً كاملة ابتعدت فيها الفنانة الكبيرة ليلى طاهر عن خشبة المسرح المصري، وطوال هذه الفترة الطويلة كانت تعتذر عن المشاركة في الأعمال المسرحية، مرة لأنها ترى أن هذه الأعمال لا تتناسب وتاريخها الفني الطويل، ومرة لأنها لا ترى الدور المعروض عليها مناسباً لمكانتها الفنية الحالية. واكتفت الفنانة القديرة بالأعمال التلفزيونية التي تشترك فيها من وقت إلى آخر، إلى أن عُرض عليها أخيراً دور الملكة الأم في مسرحية وليم شكسبير الشهيرة "هاملت"، والتي ستقدم على خشبة المسرح القومي المصري قريباً، من إخراج الدكتور هاني مطاوع وبطولة فتحي عبدالوهاب وريهام عبدالغفور. الحياة التقت ليلى طاهر، وكان هذا الحوار: ما أسباب هذه السنوات الطويلة من الانقطاع عن المسرح؟ - كل فنان يتمنى الاستمرار في مجاله على الدوام، وغيابي عن المسرح كان خارج إرادتي كفنانة، فمنذ سنوات طويلة والمسرح لدينا يواجه مشكلات صعبة، على رأسها سيادة المسرح الكوميدي، أو ما عرف بمسرح الضحك أو مسرح الكباريه، وغيرها من الأسماء والأنواع المسرحية التي احتكرها القطاع الخاص ونجومه من الفنانين الكوميديين المصريين الكبار والصغار. وكان لزاماً على الفنانة التي تود دخول هذه النوعية من المسرح الخاص أن تجيد الرقص أكثر من إجادتها للتمثيل، وبالتالي كنت أرى أن هذه النوعية لا تناسبني ولا تناسب سني، وظللت فترة طويلة أبحث عن النص المسرحي الذي يعيدني من جديد إلى الناس، وبدأت أستبشر خيراً حينما بدأت تظهر مسرحيات لها قيمة أعادت الناس مرة أخرى إلى مسارح الدولة بكل ما تمثله من احترام لعقلية الجمهور وقضاياهم الحياتية المختلفة. ومن أبرز هذه الأعمال مسرحية الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة "الناس اللي في التالت" والتي قامت ببطولتها نخبة من الفنانين المحترمين مثل سميحة أيوب وفاروق الفيشاوي وعبدالعزيز مخيون ورشوان توفيق، ومسرحية "الملك لير" التي قدمها بعبقرية كبيرة الفنان يحيى الفخراني، والمسرحيتان قدمتا على خشبة المسرح القومي، إلى أن عرض عليّ المخرج القدير الدكتور هاني مطاوع مسرحية "هاملت" للمشاركة فيها بدور الملكة الأم، وستكون هذه هي المرة الأولى التي أقف فيها على خشبة المسرح القومي، وهو شيء يضاعف من فرحتي بهذا العمل الجديد بالنسبة لي. اهتمام بالنص لكنك قدمتِ من قبل أعمالاً مسرحية مأخوذة عن المسرح العالمي، فما أبرز هذه الأعمال التي تعتبرينها محطات أساسية في مشوارك الفني الطويل؟ - في آخر سنوات الستينات بدأت التركيز على المسرح، فقدمت العديد من الأعمال المسرحية المأخوذة عن نصوص عالمية وعربية، ومن أهم هذه المسرحيات: "عطيل" لشكسبير، و"الكلمة الثالثة" مع الفنان الراحل محمد عوض، ومجموعة كبيرة من العروض العالمية أخرجها الفنان السيد راضي لمسرح التلفزيون في الستينات، ولكن غالبية هذه المسرحيات للأسف لم يتم تسجّل تلفزيونياً، وبالتالي لم يرها الناس، فقد جسدت دور ديدمونة في مسرحية "عطيل"، ولعبت دوراً مميزاً في رواية "رصاصة في القلب" مع صلاح ذو الفقار، و"زوج في المصيدة" مع كمال الشناوي، حتى أن آخر مسرحية شاركت فيها لم تسجل تلفزيونياً وهي "الزواج تأديب وإصلاح" مع عزت العلايلي وأذكر أنها كانت تعرض على المسرح العائم وكانت كاملة الحضور يومياً. كل هذه الأعمال المسرحية قدمتيها بعيداً من خشبة المسرح القومي، فهل كان انحيازك في هذه الفترة موجهاً في شكل رئيس إلى المسرح الخاص وحده؟ - أنا لا أهتم بجهة الإنتاج بقدر اهتمامي بالنص نفسه، فليس كل ما يقدمه المسرح الخاص سيئاً أو أقل من المستوى، وليس كل ما يقدمه مسرح الدولة يستحق الإشادة والتصفيق، فقد قدمت من قبل أعمالأ جيدة في المسرح الخاص أذكر منها "زواج مستر سلامة" و"نحن لا نحب الكوسة" و"غراميات عفيفي" و"السنيورة تكسب" وهي أعمال قاسمني البطولة فيها كبار النجوم وقتها، ومن بينهم: أمين الهنيدي وأبو بكر عزت وفريد شوقي وغيرهم. التلفزيون بيتي الحقيقي ما سر ابتعادك منذ فترة طويلة عن الدراما التلفزيونية، على رغم كثرة الأعمال التي تعرض عليك؟ - التلفزيون هو بيتي الحقيقي الذي حققت من خلاله وجودي الفني خلال الأعوام الماضية، ولكن لأن الظروف تتغير باستمرار، أصبحت هناك خريطة جديدة للنجوم والنجمات الذين يحتكرون الأعمال الدرامية، وأصبح من النادر أن أعثر على العمل الجيد الذي أعود من خلاله إلى الجمهور. فقبل أعوام عدة قدمت مسلسل "عائلة شلش" الذي حقق نجاحاً كبيراً وقتها، وشاركني فيه نخبة من الفنانين الكبار كان على رأسهم الفنان الراحل صلاح ذو الفقار ويونس شلبي وعبدالمنعم مدبولي ومحمود الجندي وعماد رشاد، وكانت حماستي الشديدة لهذا المسلسل نابعة من القضية المهمة التي يناقشها، وهي استصلاح الأراضي الصحراوية هرباً من الاكتظاظ السكاني في قلب القاهرة، إضافة إلى الكثير من المشكلات الاجتماعية الأخرى، ولكنني الآن لم أعد أجد الدور الجيد أو العمل الذي يغريني بالعودة من جديد إلى شاشة التلفزيون، وعلى رغم ذلك ما زلت في انتظار هذه العودة بفضول يفوق فضول الجمهور الذي ما زال يتذكرني. وماذا عن السينما التي يبدو أنك أسقطتيها تماماً من حساباتك الفنية الراهنة؟ - أولاً ليست لي حسابات فنية من أي نوع، والمسألة باختصار تتعلق بما يعرض عليّ من أدوار في المجالات الثلاثة، المسرح والسينما والتلفزيون، فإذا كان الدور المعروض عليّ يحوز إعجابي ويناسبني قدمته، وإذا لم يكن يحقق لي هذه الشروط الضرورية رفضته، وبالتالي يأتي اختفائي التام من الأعمال السينمائية مبرراً إذ أنني لم أجد الدور الذي يشجعني على العودة. حماسة سينمائية وما رأيك في الأعمال السينمائية الراهنة من خلال متابعتك لها؟ - الحقيقة أنني متحمسة للكثير من الأعمال السينمائية التي تقدم بنجاح منذ أعوام عدة، وأرى أن هناك في اللحظة الراهنة تجاوراً جميلاً وصحياً بين الكثير من الأجيال الفنية المختلفة والمتباينة، فكمال الشناوي وعبدالمنعم مدبولي وهدى سلطان ما زالوا يقدمون فنهم إلى جوار الأجيال الأحدث منهم، مثل عادل إمام وحسين فهمي وأحمد زكي ومحمود عبدالعزيز ونبيلة عبيد ونور الشريف ومحمود حميدة وليلى علوي ويسرا وعبلة كامل، وكل يوم لدينا نجوم جدد أتحمس لهم بشدة مثل حنان ترك ومنى زكي وحلا شيحا، وكذلك زملاؤهم الشباب: محمد هنيدي وأحمد السقا وكريم عبدالعزيز وغيرهم كثيرون، هذا التجاور من شأنه أن يثمر فناً محترماً ولائقاً بالبلد الذي يقدم فيه.