عدت الى بيت الأسرة في جنوبفرنسا قبل أيام، كما أفعل في مثل هذا الوقت كل صيف، ووجدت مجموعة من المقتطفات من الصحف الانكليزية والأميركية، وعدداً من مجلات الصحف الانكليزية تعود الى مثل هذا الوقت تماماً قبل سنة، فتاريخ كل ما في يدي يتراوح بين 28 تموز يوليو و3 آب اغسطس من السنة الماضية. وسأقسم ما عندي قسمين فأبدأ اليوم بالسياسة قبل سنة، وأكثرها عن العراق، وأكمل غداً بتحقيقات من المجلات احتفظت بها إما لأنها مهمة، أو بسبب رقيّ مستواها المهني، او لأن الموضوع انساني مقروء. في هذا اليوم من السنة الماضية، قال الخبر الرئيسي في "الغارديان" اللندنية ان العراق "قريب من هدف انتاج قنبلة نووية"، واختارت "التايمز" اللندنية أيضاً عنواناً للخبر نفسه، الذي نشرته في الصفحة 16، يقول: "مجلس الشيوخ الأميركي يسمع عن مختبرات الفيروس القاتل في العراق". وكان الخبران يتحدثان عن اجتماع للجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي للبحث في موضوع العراق بسبب نذر حرب وشيكة. وسمع الشيوخ من خضر حمزة حرفياً "مع وجود عشرة أطنان من اليورانيوم وطن من اليورانيوم المشع قليلاً في حوزة العراق فإن من الممكن ان ينتج العراق يورانيوم من نوع صالح للقنابل النووية يكفي لانتاج ثلاثة اسلحة نووية سنة 2005". خضر حمزة عمل في البرنامج النووي العراقي الا انه فرّ من العراق سنة 1994، وشهادته جاءت بعد ثماني سنوات من تركه بلاده، وهو استشهد بمعلومات استخبارات المانية، كأن الاميركيين بحاجة الى واسطته في نقلها. هل كان خضر حمزة يكذب او انه لم يكن يعرف؟ الأمر سيّان. أما ريتشارد بتلر، رئيس لجنة التفتيش الدولية السابق، فهو زعم ان هناك معلومات موثوقة من ان العراق ينتج في مختبرات تحت الأرض فيروس الطاعون، وفيروس ايبولا الشديد العدوى، وانه زاد كثيراً مخزونه من الصواريخ كما زاد مداها مع منصات اطلاق متنقلة ومختبرات متنقلة، إضافة الى تلك التي تحت الأرض. بتلر استرالي، وهي كلمة تعني بالعامية المصرية انه "حمار"، وهو كذلك الا انه مؤذٍ أيضاً، وقد عرض وخضر حمزة خرافات ليس لها اساس من الصحة، ولا أعرف كيف يبرران الكذب او الخطأ اليوم. قبل سنة كان السناتور جوزف بايدن يترأس لجنة الشؤون الخارجية، وهو سياسي عاقل وحكيم لذلك سأل خلال اجتماع اللجنة: "اذا شاركنا في اطاحة صدام، ما هي مسؤولياتنا في اليوم التالي؟". وهو قال بصراحة: "اذا هاجمنا فسننتصر، ولكن ماذا نفعل بعد ذلك؟". الأميركيون لم يجدوا الرد على هذا السؤال حتى اليوم، لذلك يدفعون الثمن الذي كان يمكن جعله أقل كثيراً لهم وللعراق، لو انهم خططوا لما بعد الحرب كما خططوا لها. خطط للحرب المحافظون الجدد من عصابة اسرائيل الشارونية الليكودية في الادارة، ودفع شباب اميركا مع شعب العراق الثمن، وضاع صوت العقلاء مثل السناتور بايدن والسناتور ريتشارد لوغار اللذين كتبا في حينه مقالاً مشتركاً في "نيويورك تايمز" عنوانه "النقاش حول العراق" وسألا فيه ثلاثة اسئلة محددة هي: ما هو الخطر الذي يمثله العراق لأمننا؟ وما هي الردود الممكنة على الخطر العراقي؟ وإذا ذهب صدام ماذا ستكون مسؤولياتنا؟ وتضيق هذه العجالة عن عرض ما قال الرجلان قبل سنة، الا انني أكتفي بتسجيل انهما لم يخدعا بكذب الادارة. ومثلهما "واشنطن بوست" فهي يوم اجتماع لجنة الشؤون الخارجية في 31 تموز، وهو الاجتماع الذي نشرت الصحف تفاصيله في اليوم التالي، خصصت صفحة كاملة لتحقيق موسع عن اسلحة العراق عنوانه "الحقيقة ان لا أحد يعرف على وجه التحديد". ونقلت الجريدة عن الرئيس بوش وأركان ادارته المزاعم التي ثبت الآن كذبها الكامل عن اسلحة الدمار الشامل في العراق وتهديده امن الولاياتالمتحدة، الا انها زادت ان المسؤولين في الاستخبارات والخبراء العسكريين أبدوا تحفظاً لعدم وجود أدلة قاطعة تثبت التهم. ويبقى موضوع أمامي قصاصات عنه عمرها سنة، موضوع الساعة اليوم ومن كذب ومن صدق، ومن زور الأدلة او ضخمها، ومن لم يفعل؟ العودة الى الأخبار قبل سنة تظهر بشكل قاطع ان الصقور هم الذين خططوا للحرب وأصروا عليها، في حين عارضها الجنرالات الذين يعرفون خطر الحرب ونفقاتها في الارواح والأموال. وأمامي خبر في "واشنطن بوست" يحمل تاريخ 28 تموز من السنة الماضية عنوانه ان "كبار الجنرالات يفضلون بقاء الوضع الراهن في العراق". وقد رد عليهم أحقر انصار اسرائيل ريتشارد بيرل بالسؤال كم على الولاياتالمتحدة ان تنتظر في وجه "امكانات" صدام حسين. وفي 31 تموز نشرت "نيويورك تايمز" رد وزير الدفاع دونالد رامسفيلد على الجنرالات بالاصرار على ان حرباً جوية، لا تكفي، فصدام حسين، بحسب زعم الوزير، يملك "مختبرات بيولوجية متحركة" يصعب جداً ضربها من الجو. القارئ يعرف ان كل أسباب الحرب التي قدمتها عصابة اسرائيل كانت كاذبة، ومع تقديري ان الرئيس بوش نفسه ونائبه، وربما رامسفيلد، كُذب عليهم، الا عملاء اسرائيل كذبوا عن سابق تصور وتصميم وسعوا الى تدمير العراق، والانطلاق منه الى دول اخرى، مثل ايران او سورية او غيرهما. اليوم تهدد الادارة الاميركية ايران بتهمة سعيها الى امتلاك اسلحة نووية، وهي لا بد تستند الى المصادر نفسها التي قالت ان في العراق اسلحة دمار شامل. ومرة اخرى، أمامي خبر نشرته "واشنطن تايمز" في 31 تموز من السنة الماضية عن وفد اميركي زار موسكو لحثها على عدم مساعدة البرنامج النووي العراقي. ولاحظت ان في عداد الوفد جون بولتن، وكيل وزارة الخارجية، وأحد المحافظين الجدد المعروفين بتأييد اسرائيل، فأرجو ان يحتفظ القارئ بما كتبت عنه في السلسلة المعروفة، إذ يبدو انه ستكون لنا عودة الى الموضوع، وأكمل غداً.