يسود القلق أوساط منظمي بطولة العالم لألعاب القوى المقررة من 23 الى 31 الجاري في ضاحية سان دوني الباريسية نظراً لموجة الحرّ الشديد التي تجتاح أوروبا وتؤرق مضاجع شعوبها، لا سيما بعد الوفيات الكثيرة، ما جعل المسؤولين عن القطاعين الصحي والمناخي يدقون ناقوس الخطر ويتخذون اجراءات استثنائية لم تؤدِ غالبيتها الى النتائج المرجوة. وفي هذا السياق، تجرى مباحثات مكثفة في أروقة اللجنة المنظمة لمونديال القوى وأركان الاتحاد الدولي، تتعلق في شأن برنامج المسابقات الذي يصعب تعديله باعتبار ان التوقعات المناخية وفق الأرصاد الجوية "تبشّر" بإستمرار موجة الحرّ حتى أواخر الشهر الجاري، ما يعني انعكاسها السلبي على منافسات المونديال وسباقاته المثيرة، ويقلل بالتالي من امكان تحقيق أرقام نوعية لافتة. ويستند المنظمون في هذا الاطار الى المعطيات العلمية من خلال تأثير الحرارة المرتفعة على العائد البدني والبيولوجي وتفاعلهما معاً. لا سيما ان هذا الانعكاس يطاول أجسام الرياضيين أكثر من غيرهم ويجعلهم عرضة للارهاق السريع من خلال صرفهم الوحدات الحرارية. وقد تؤثر هذه المستجدات من ناحية التعّرض للاصابات المفاجئة والشدّ العضلي نظراً الى بذلهم مجهوداً كبيراً.. و"هدرهم" سوائل كثيرة. ويبدو عداؤو المسافات المتوسطة والطويلة أكثر عرضة لهذه الانعكاسات والتأثيرات. فمثلاً عندما ترتفع حرارة البدن درجتين يزيد معدل دقات القلب الى 37 ضربة في الدقيقة، وكلما زاد ايقاع هذه الدورة كلما تطلب الجسم سوائل وأوكسجين أكثر من أجل "التبريد" ما يجعل العضلات تتقلص لاستهلاكها كميات كبيرة من الماء المتوافر في الجسم. ويلفت العلماء الى ان درجة الحرارة المناسبة لسباق الماراتون هي بحدود 12 درجة مئوية، في مقابل نحو 20 درجة مئوية مع معدل رطوبة بنسبة 50 في المئة لسباقات المسافات المتوسطة والطويلة الأخرى، ويستندون في تحليلهم الى اختبارات ومعطيات ميدانية. في المقابل، فإن هناك سباقات كثيرة، ومنها الماراتون اقيمت تحت القيظ الشديد، فمثلاً بلغت الحرارة 39 درجة مئوية خلال الماراتون في دورة باريس الأولمبية عام 1900، واعتبرت "حرارة سنغالية" قياساً الى ارتفاعها غير المعهود. وهي قاربت هذا المعدل في ماراتون دورة ملبورن الأولمبية عام 1956 الذي أحرزه الفرنسي ألن ميمون، والذي اجتازه من دون أن يبلل فمه بقطرة ماء، لكنه كاد يدفع الثمن، فحين بلوغه الكيلومتر ال30 شعر بغمامة سوداء حول عينيه وكاد يقع مغشياً عليه... وفي النهاية نقص 4 كيلوغرامات من وزنه الأساسي الخفيف البالغ 57 كلغ. وإزاء هذه الظاهرة كثرت الدراسات عن ضرورة إرتشاف الماء في سباقات التحمل لمحاربة الحرارة والتجفاف... ونشرت آراء تنصح حتى برش أرض المسار بالمياه للتخفيف من الحرارة، وهذا ما سيلجأ اليه المنظمون على مضمار سان دوني... وبناء على مؤشرات الطقس المرتقبة، يبدو مثالياً أن ينطلق المشاركون في ماراتون مونديال القوى عند الخامسة صباحاً، علماً ان السباق مبرمج بدءاً من الساعة الثانية وعشرين دقيقة بعد الظهر. ويخشى أن يؤدي الحر الشديد الى انسحابات عدة على غرار ما حصل في ماراتون دورة استوكهولم الأولمبية عام 1912 إذ أكمل السباق نصف عدد المنطلقين البالغ 68 عداء. ويومها بلغت الحرارة 30 درجة مئوية، وأدت الى وفاة العداء البرتغالي فرانشيسكو لازارو. "أرقام المنشطات" على صعيد آخر، كشف رئيس الاتحاد النروجي سفين ارنه هانسن ان اتحادات بلدان أوروبا الشمالية ستقدم اقتراحاً الى الاتحاد الدولي في اجتماعه المقبل في 20 و21 الجاري على هامش "المونديال" بإلغاء الأرقام القياسية العالمية المسجلة قبل عام 2000، بحجة ان الكثير منها سُجّل بفعل استخدام العقاقير المنشطة. وقال هانسن: "ان الأرقام المسجلة في العقدين الأخيرين من القرن الماضي لا يمكن تحطيمها لأن عدداً كبيراً منها سجله رياضيون متنشطون، وهذا ليس سراً بدليل الدعاوى المختلفة". وسبق ان قامت بلدان أوروبية عدة بينها النروج بمحاولة مماثلة عام 1999 لكنها فشلت. وتتوقع الاتحادات الشمالية ان يجبه اقتراحها بمعارضة شديدة من الولاياتالمتحدة أبرز دولة على صعيد العاب القوى، والتي يحمل رياضيوها ارقاماً عالمية كثيرة.