قال محللون اقتصاديون في برلين، أمس السبت، انه "من غير المرجح" ان تؤدي خطة للانتعاش الاقتصادي في الدول ال12 الأعضاء في العملة الاوروبية الموحدة، اليورو، السنة المقبلة، الى خلق فرص عمل على نطاق واسع. وأشاروا الى ان هذا "نبأ غير سار" لنحو 12.5 مليون عاطل عن العمل في مختلف ارجاء منطقة اليورو. ووفقاً لتقديرات "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية"، فإن البطالة لن تشهد تراجعاً في منطقة اليورو إلا بمعدلات متواضعة في السنوات الخمس المقبلة، لتصبح نحو 7.5 في المئة سنة 2008، ما لم تتخذ الحكومات المزيد من الخطوات لتحرير أسواق العمل. وأظهرت أرقام الجهاز الاحصائي للاتحاد الاوروبي "يوروستات" ان معدل البطالة بلغ 8.9 في المئة في حزيران يونيو. وقال لورانس بون، الخبير الاقتصادي المتخصص بمنطقة اليورو في "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" مقرها باريس، انه "إذا لم يتغير شيء، فإن المنظمة تتوقع أن يكون معدل البطالة 8.25 في المئة في المتوسط في الفترة بين 2003 و2008". ويُقدّر ان يبلغ متوسط معدل البطالة في الولاياتالمتحدة في الفترة نفسها 5.5 في المئة. وأضاف المحللون انه نتيجة لذلك، ستستمر إعانات البطالة في الضغط بقوة على الموزانات العامة في اوروبا، وستظل حركة القارة متعثرة بكوابح داخلية تحد من النمو. واعتبروا انه مع تجاوز عدد العاطلين عن العمل في ألمانيا مستوى الأربعة ملايين شخص، لا يمكن توقع ازدهار في الاستهلاك يُخرِج أكبر قوة اقتصادية في أوروبا من ركود مستمر منذ نحو ثلاثة أعوام. وقال كريس وليامسون، كبير الخبراء الاقتصاديين في مؤسسة أبحاث "ان تي سي ريسرش"، المسؤول عن إعداد مؤشرات مديري الشراء الشهرية، لوكالة "رويترز" في منطقة اليورو، وهي مؤشرات مهمة: "سيظل توفير الوظائف معطّلاً، حتى لو كانت هناك زيادة قوية في النمو، ذلك لأن خلق وظائف جديدة في أوروبا يظل أمراً مُكلِفاً ومعقداً ومحفوفاً بالمخاطر". ويشير الى ان الشركات متشكّكة في قوة النمو ولا تقبل أي عمالة جديدة. وحتى عندما تدل مؤشرات رئيسية، مثل "مؤشر مناخ الأعمال" في ألمانيا على بدء تحسن مع حلول نهاية السنة الجارية، فان الشركات الكبرى تُعلِن عن الاستغناء عن أعداد كبيرة من العمالة. وبالإضافة الى الشكوك في التحسن، فإن كلفة العمل المرتفعة لا تزال تمنع التوظيف في منطقة اليورو. فالضرائب والمساهمات التأمينية تلتهم ما يزيد على 40 في المئة من إجمالي الأجور، بالمقارنة مع أقل من 30 في المئة في الولاياتالمتحدة. وتوقعت دراسة أجرتها شركة "ايه تي كيريني" للاستشارات ان تنقل البنوك الاوروبية نحو مئة الف وظيفة الى الخارج الى دول تكون فيها كلفة العمل منخفضة بحلول سنة 2008، وذلك لمواجهة المنافسة وتفادي عمليات الاستحواذ. كما تواجه الشركات الاوروبية، بالاضافة الى الشكوك وارتفاع كلفة العمل، قوانين متشدّدة لحماية العمال، مما يردعها عن تعيين عمال ستواجه مشاكل في فصلهم مرة اخرى. بالاضافة الى ذلك، فإن إعانات البطالة في بعض البلدان مرتفعة الى حد يجعل الناس ترفض وظائف متدنية الأجور. وهناك تغييرات تجري في ألمانيا التي تخفّف من قوانين حماية العمال وتخفّض الإعانات وتضغط أكثر على العاطلين عن العمل كي يقبلوا بفرص العمل. ويقول خبراء اقتصاديون ان الخطة التي تُعرف باسم "برنامج 2010"، على رغم تواضعها بالمقارنة مع الإصلاحات التي أدخلتها بريطانيا في الثمانينات، هي "الخطوة الصحيحة"، لكنها لن تؤدي بمفردها الى الانتعاش. وتمثّل قدرة العمالة على الانتقال من بلد الى آخر مشكلة اخرى يعبّر عنها جزئياً التباين الكبير في معدلات البطالة من 3.7 في المئة في لوكسمبورغ إلى 11.4 في المئة في اسبانيا. وتحتل ألمانيا وفرنسا المرتبة الثانية، حيث يصل معدل البطالة فيهما الى 9.4 في المئة، حسب بيانات "يوروستات" في حزيران يونيو الماضي. واللغة والثقافة عقبتان واضحتان ربما تمنعان طبيب أسنان فرنسياً مثلاً من فتح عيادة في هلسنكي. ولهذا السبب وحده، فمن المستبعد ان تكون قدرة العمالة على الانتقال كبيرة، مثلما هو الحال في الولاياتالمتحدة. ولم تفعل الحكومات الاوروبية الكثير لإزالة عقبات اخرى، مثل عدم وجود صناديق معاشات يُسمح لها بتحويل أموالها من دولة الى اخرى، والمشاكل المتعلقة بالحصول على مؤهلات عمل يُعترف بها عبر الحدود. ومع هذا، فانه حتى في الولاياتالمتحدة التي تنال استحساناً لانخفاض تكاليف العمل وتمتع سوق العمل فيها بدرجة أكبر من المرونة، تظهر أدلة على انتعاش اقتصادي دون الانتعاش القوي المطلوب لخلق المزيد من الوظائف. والمشكلة التي تواجهها كل من أوروبا والولاياتالمتحدة هي مشكلة انتقال وظائف القطاع الصناعي على المدى الطويل الى دول العمالة فيها منخفضة الأجور، مثل الصين، بينما تنتقل الوظائف في مجال البرمجيات والوظائف المساعِدة الى الهند. وتمثّل هذه المشكلة خطورة، خصوصاً بالنسبة لألمانيا وايطاليا واسبانيا، حيث يتركز أكثر من 30 في المئة من قوة العمل بها في القطاع الصناعي. وتتوقع "منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية" ان تكون منطقة اليورو قادرة على توفير فرص عمل السنة المقبلة، شرط ان يتحقق معدل النمو الذي تتوقعه والبالغ 2 في المئة. لكن هناك شكوكاً في مدى قوة الانتعاش الذي سيتحقق.