كلنا يريد السلام، وبعضنا عمل من اجله، غير أنني اخشى ان الهدنة، او التهدئة كما تقول حركة المقاومة الإسلامية، ستنشر انطباعاً زائفاً بأن السلام وراء الناصية، مع انه يبقى بعيداً طالما ان في اسرائيل حكومة من مجرمي الحرب تمارس كل ما مارس النازيون ضد اليهود، باستثناء المحرقة. كان الانسحاب من شمال قطاع غزة، ومن شارع صلاح الدين، فرصة ليرى العالم الاحتلال على حقيقته، وما رأى كان مشهداً من "اليوم التالي"، أو ذلك اليوم الذي يتبع حرباً نووية لا تبقي ولا تذر، مما نرى في الأفلام عن هذا الموضوع. لم نر بيت حانون، وإنما رأينا الموقع الذي كانت تقوم فيه. وقد دمر الإسرائيليون مع البلدة الطرق المؤدية إليها فحفرتها الجرافات الأميركية الهائلة التي قتلت ايضاً داعية سلام اميركية هي راشيل كوري، ونسفوا الجسور، واقتلعوا اشجار الزيتون والحمضيات، بل انهم دمروا الآبار والمجارير، وعندما اصلحتها بلدية البلدة في وقت سابق دمروها من جديد. ووقفوا يتفرجون على مياه المجارير تختلط بمياه الشرب، ويتلذذون بمنظر الناس العطاشى الجائعين. وليس الموضوع بلدة واحدة تدمر لخلق منطقة عازلة حول مستوطنات يجب ان تزال في اي اتفاق سلام، فالإسرائيليون في قلقيلية، في الضفة الغربية، دمروا بعض الآبار الأرتوازية، وحولوا ماء بعضها الآخر الى المستوطنات، وتركوا اصحاب الأرض وليس عندهم من الماء ما يكفي للشرب وحاجاتهم اليومية، ناهيك عن ري مزروعاتهم. والبلدة نفسها مثل اي "غيتو" حشر فيه النازيون اليهود في ألمانيا أو بولندا. الممارسات الإسرائيلية يجب ان توصف كما هي، وهي انها ممارسات نازية في كل شيء، باستثناء الهولوكوست، وتعكس عنصرية نازية، فلا يبررها سوى اعتبار المحتلين والمستوطنين انفسهم من جنس ارقى، وهذا ما برر قتل اليهود في اوروبا يوماً، وتدمير حياة الفلسطينيين في بلادهم اليوم. اما جيش موشي يعالون فيترك الرجال والنساء ثلاث ساعات في الشمس كما ترك النازيون اليهود في البرد. وأكتب بناء على ما أعرف من اتصالات مباشرة مع زملاء وأصدقاء في الأراضي المحتلة. غير ان عندي كذلك عشرات المقالات والتحقيقات عن الأوضاع في الأراضي المحتلة، وبعضه كتبه يهود في مطبوعات يملكها يهود، وكانت من الصدق والتعاطف مع الفلسطينيين ما يجعلني اقول مرة اخرى ان النازيين الجدد في اسرائيل ليسوا كل اليهود، فالغالبية من هؤلاء تريد السلام، وتشعر بالظلم وتستطيع ان تقول كلمة الحق، لذلك فكلامي عن حكومة مجرمي الحرب في اسرائيل ومؤيديها، وغضب القارئ يجب ان يقتصر عليهم، فلا يرد على العنصرية بعنصرية مثلها ونقع في ما نحذر منه، ويكفي ان أقول للقارئ ان يهودياً من نوع الكاتب آرثر ميلر، الملتزم كلياً بإسرائيل، اصبح يهاجم حكومتها، ويتهمها بخيانة قسم الدين اليهودي. ربما كان الجدار العازل، او جدار برلين الجديد، اوضح دليل على رفض حكومة شارون السلام، مهما كذبت على الإسرائيليين والحكومة الفلسطينية والإدارة الأميركية. وكما كان جدار برلين دليلاً على فشل الشيوعية فجدار اسرائيل دليل على فشل الاحتلال، ولا بد من ان يسقط كسابقه. الجدار هذا يرتفع عشرة امتار، وسيمتد من جنين في شمال الضفة الغربية الى الخليل في الجنوب، وهو يسير احياناً على الخط الأخضر، إلا ان أكثره داخل الأراضي الفلسطينية، وسيأكل منها عندما ينتهي نحو عشرة في المئة، ما يعني انه لن يكون هناك سلام بوجوده، ولعل هذا الهدف الأول لبنائه بكلفة بليوني دولار. الجدار هذا تفكير نازي خالص، فإضافة الى ارتفاعه، فهو محاط بمنطقة عازلة على جانبيه، يعني ان مزارع الفلسطينيين دمرت في هذا السبيل، وهناك أسلاك شائكة وأسلاك مكهربة، مع ابراج للمراقبة وقناصة. ومرة اخرى، فهو تماماً ما كنا نرى في الأفلام الأميركية عن معسكرات الاعتقال النازية وسبل حمايتها، فالاحتلال جعل من الضفة معسكر اعتقال كبيراً، وجعل من سكانها اليهود الجدد في ايدي النازيين. هناك 200 ألف مستوطن في الأراضي المحتلة، كل منهم نازي جديد يطوي نفسه على عنصرية وفوقية وأحقاد التاريخ ضد الآخرين، ما يجعله يقبل ان ينعم بمسبح في بيته، فيما الناس الذين سرق ارضهم وماءهم لا يجدون ماء للشرب. والحكومة التي تحمي هذا المستوطن النازي التوجهات، نازية مثله، فقد قرأنا اخيراً عن وجود معسكر اعتقال سري يترك فيه المعتقلون الفلسطينيون اسابيع من دون محاكمة، وتعصب اعينهم حتى لا يعرفون الليل من النهار. وقد اعترف المدعي العام الإسرائيلي بوجود هذا المعتقل الذي يعيد ذكريات النازية، إلا انه زعم انه اغلق، ثم اعترف بأنه لا يزال يستعمل في "حالات نادرة". وما يجب ان أزيد هنا هو ان جماعات حقوق الإنسان الإسرائيلية هي التي فضحت وجود هذا المعتقل، ما يثبت مرة اخرى ان اليهود ليسوا كلهم شارون او مستوطناً مجرماً مثله. ربما كان افضل دليل توافر لي في الأيام الأخيرة على نازية اسرائيل هو من النوع النفسي، فقد وجدت حكومتها النازية تتهم غيرها بالنازية، اي انها تنقل ما فيها الى الآخر. وتفصيل ذلك ان هيئة الإذاعة البريطانية بثت برنامجاً عن الأسلحة النووية الإسرائيلية، ووجودها مع وسائل ايصالها الى اهدافها ثابت. وردت الحكومة الإسرائيلية على البرنامج الوثائقي المدعم بالأسانيد، بأن قررت قطع العلاقة مع هيئة الإذاعة البريطانية، وحرمان مراسليها من الوصول الى اعضاء الحكومة، ثم اعلن داني سيمان، مدير مكتب الصحافة الحكومي ان البرنامج يمثل اسوأ دعاية نازية. إذا كان الموضوع مقارنة بين الحكومة الإسرائيلية وهيئة الإذاعة النازية، فمن هو النازي من الطرفين،؟ هل احتاج ان أسأل؟ القارئ قد لا يعرف داني سيمان هذا، غير انني اعرف عنه، وما أعرف عنه يجعلني اصفه بأنه غوبلز صغير، او حقير، فهو اضافة الى الكذب اليومي يضطهد الصحافيين الفلسطينيين العاملين، ويؤخر تصاريحهم، ويحاول ان يبعدهم عن مواقع الأحداث، اي حيث ترتكب اسرائيل الجرائم، ويفعل ذلك بنفس عنصري حقير، ثم يأتي ليتهم هيئة الإذاعة البريطانية بممارسة نازية يلغ فيها كل يوم. لا أكبت متفائلاً او متشائماً، وإنما أكتب عما ارى وأسمع وأقرأ، ومجموعه يقنعني بأن في اسرائيل حكومة نازية الميول لا تريد السلام، مهما حاول ابو مازن، وبوجود هدنة او بعدم وجودها، فالكره ليس ما يقول الرئيس بوش عن حماس او غيرها وإنما هو ما تمارس الحكومة الإسرائيلية كل يوم، بحماية العصابة الإسرائيلية في الإدارة الأميركية المحيطة بالرئيس.