غدت السينما في عصرنا الحاضر من أهم الفنون وأكثرها انتشاراً وتأثيراً، وباتت السينما التسجيلية نظراً الى ارتباطها الحميم بالواقع والى أهميتها العالمية في المجالات الاجتماعية والثقافية والسياسية والإنسانية عموماً، كياناً متميزاً له أسلوبه الخاص كوسيلة اتصال جماهيرية مهمة لخدمة المجتمع وتطوره. ويظل تاريخ السينما المصرية، بجانبيها الروائي والتسجيلي، حتى الآن، يعتمد على الاجتهادات الشخصية. لقد ظهرت بعض الكتابات عن تاريخ هذه السينما، وظهر التباين واضحاً في تناول الوقائع التاريخية وعمق ذلك عدم وجود مواد مسجلة يمكن الرجوع إليها، مثلما ظهر الخلاف في تحديد تاريخ أول عرض سينمائي في مصر، إذ ساد لفترة طويلة اعتماد 6 كانون الثاني يناير 1886 أي بعد عرض لوميير في فرنسا بعشرة أيام تقريباً، إلى أن أثبت الناقد والباحث محمود علي أن التاريخ الحقيقي لأول عرض في مصر كان في الاسكندرية في تشرين الثاني نوفمبر 1896 وأن أول عرض في القاهرة كان في حمام شنيدر في 28 تشرين الثاني 1896 وذلك اعتماداً على صحيفة "لاريفوم" التي كانت تصدر في ذلك الوقت. وفي غياب الدراسات العلمية لتاريخ السينما يبرز دور الرسائل الجامعية التي تقدم إلى الجامعة أو إلى أكاديمية الفنون في معهد السينما أو معهد النقد الفني. وفي المعهد الأخير تقوم حالياً مجموعة من المثقفين والنقاد السينمائيين من خريجي المعهد بإعداد رسائل علمية في السينما تحت إشراف المخرج الاستاذ في المعهد العالي للسينما محمد بسيوني. جوانب مختلفة وتتناول هذه الرسائل جوانب مختلفة للسينما المصرية من الناحيتين الفنية والنظرية والنقدية، ومن هذه الرسائل رسالة عن "الواقعية في السينما المصرية" لسهير عبدالعزيز و"الرواية المصرية على شاشة السينما" لدرية شرف الدين و"الكوميديا في السينما المصرية" لفايز علي، و"مناهج النقد السينمائي" في مصر لعلي أبو شادي هذا عدا رسالة الماجستير التي أنجزت بالفعل للناقد والمؤرخ ضياء الدين مرعي، وهي عن "تاريخ السينما التسجيلية في مصر" في الفترة بين 1896 و1977. وصدرت مطبوعة عن "مركز الفنون" في مكتبة الاسكندرية باستعراض هذه الرسالة تستشعر ذلك الجهد الذي بذله الباحث في صفحاتها ال800 التي قدم فيها من خلال منهج كرونولوجي تاريخي ارتآه ذلك التاريخ المجهول لسينما غير معروفة. فقدم تغطية مسهبة لهذه السينما تاريخاً وأفلامآً ورواداً. ويرى الباحث أن أهمية السينما التسجيلية تنبع من الحاجة إلى اكتشاف الواقع والتعرف اليه من خلال رؤية الفنان لهذا الواقع. ويستعرض الآراء المختلفة في تعريف الفيلم التسجيلي بعدما اختلف الكثيرون من منظري هذه السينما والعاملين فيها على الوصول إلى تحديد واضح لماهية السينما التسجيلية الى درجة أن الاتحاد الدولي اضطر عام 1948 الى وضع تعريف للفيلم التسجيلي بأنه أي طريقة في استخدام شريط السيلولويد لتسجيل أي عنصر من عناصر الواقع سواء أكان بطريقة التصوير المباشر للحقائق الواقعية أم بواسطة المحاكاة الدقيقة والأمينة لهذا الواقع بهدف مخاطبة العقل أو الوجدان وبغرض إثارة الرغبة في المعرفة والفهم الإنسانيين ومحاولة مواجهة المشكلات بصدق والبحث عن حل لها في كل مجالات - العلاقات الإنسانية والاقتصادية والثقافية. نمو الفيلم التسجيلي ويرى الباحث انه كان لإنشاء استوديو مصر عام 1935 أهمية كبرى في مجال السينما عموماً. وأبدى اهتماماً بالسينما التسجيلية أيضاً إضافة إلى اهتمامه، ب"جريدة مصر". وقدم الاستديو عدداً من أهم الأفلام التسجيلية المصرية، لكن الانتاج لم يكن يخضع لخطة محددة الأهداف بل كان يتم وفقاً لظروف خاصة مرتبطة بمناسبات مختلفة مثل زفاف الأميرة فوزية الذي أخرج عنه محمد عز العرب فيلم "موكب الزهور" عام 1939، أو أفلام دعائية مثل المواصلات في الاسكندرية إخراج صلاح أبو يوسف عام 1942. ولكن هذه الفترة تميزت بأنها فترة نمو، فبدأت أول الأفلام التسجيلية في كل مجال مثل أول فيلم عن الحج لمصطفى حسن عام 1937، وأول فيلم عن دول عربية مثل سورية ولبنان لجمال مدكور أيضاً عام 1937. ويذكر الباحث من بين أشكال هذا الفيلم: أشكال الفيلم التسجيلي الجرائد السينمائية وهي أقدم أشكال الفيلم التسجيلي، وهي مجموعة من المشاهد أو اللقطات على الأحداث المهمة محلياً وعالمياً. المجلات السينمائية وهي شكل أكثر عمقاً من الجريدة السينمائية وأكثر بساطة في اسلوب تناولها من الفيلم التسجيلي، وهي عبارة عن فيلم قصير يسجل مجموعة مختلفة من المواضيع التي تشغل أذهان الناس في وقت معين. أفلام الرحلات وهي تسجيل لمظاهر الحياة وبعض المناظر السياحية لمختلف المناطق في العالم بغرض نشر المعرفة والثقافة. الفيلم التعليمي وينبعث من الحاجة إلى الاستعانة بمواد الشرح وكعنصر مساعد في عملية التعليم ومن سماته أنه لا يحتوي على أي بناء درامي ويكتفي بالوصف. أفلام الدعاية ويكون هدفها الأساسي الدعاية سواء مباشرة أم غير مباشرة. أفلام الفن وهي التي تتناول أعمال الفنانين وعوالمهم. وبداية الاهتمام بالفيلم التسجيلي تمثلت في إنشاء أول قسم للأفلام القصيرة في استوديو مصر عام 1946، وأنشأه سعد نديم وكان يقوم بجميع الأعمال الفنية ما عدا التصوير الذي كان يقوم به كوستانيو دوريوس، وأول الأفلام التي قدمها قسم الأفلام القصيرة هو فيلم "مصر الحديثة" عام 1947 من إخراج سعد نديم، وأيضاً قدم القسم أول فيلم تسجيلي ملون باسم الاجنحة الملونة للمخرج نفسه. التلفزيون والفيلم والتسجيلي أنشأ التلفزيون في بدايته مراقبة خاصة للفيلم التسجيلي باسم "مراقبة البرامج المسجلة" أنتجت ثلاث سلاسل فيلمية، أخرج اثنتين منها سعد نديم والثالثة صالح الكيال، والأولى هي "فن بلدنا" وضمت عشرة أفلام، والثانية عن الآثار والمتاحف وضمت خمسة أفلام، أما سلسلة الكيالي فكانت بعنوان "ركب الحضارة" واشتملت على ستة أفلام، الى جانب عدد من الأفلام قام بإخراجها محمود سامي عطا الله وسعدية غنيم ويوسف مرزوق. وعام 1966 تحول اسم المراقبة إلى "البرامج السينمائية" واختصت بالأفلام التسجيلية فقط. ويذكر الباحث في هذا الصدد أن بعض الهيئات الحكومية لجأ الى استخدام السينما التسجيلية كوسيلة للإعلام بنشاطها وجهودها وانتجت الكثير من الأفلام التي تخدم أغراضها مثل هيئة تنشيط السياحة في الاسكندرية التي انتجت مجلة سينمائية باسم "أضواء الاسكندرية" وأخرجها في 13 عدداً المخرج محمد صالح الكيالي. وفي مجال علاقة الفيلم التسجيلي بالقطاع الخاص يذكر الباحث ان رمسيس نجيب أنتج أفلاماً عن السودان من إخراج صلاح أبو سيف عام 1955 وعام 1965 أخرج "أجراس السلام" عن القدس قبل الاحتلال، أما الكيالي فقد أنتج وأخرج فيلم "اليوم الحالي" عام 1956 عن إلغاء المعاهدة الأردنية - البريطانية مع ربطه بقضية فلسطين. المركز القومي للأفلام التسجيلية بدأ التفكير في إنشائه عام 1963، وفي 1966 تقدم حسن التلمساني وفؤاد التهامي وسعد نديم بطلب لإشاء المركز وصدر في نيسان ابريل 1967 القرار الجمهوري رقم 5 لسنة 1967 بإنشاء المركز القومي للأفلام التسجيلية مع تحديد اختصاصه بإنتاج الأفلام التسجيلية وأفلام الكرتون والعرائس وتوزيعها وعرضها، على أن يقوم المركز بهذه الأعمال باعتبارها خدمة عامة لا تستهدف الربح المادي، وخصص استديو نحاس للمركز ليباشر منه أعماله وأسندت إدارته الى حسن فؤاد. وتطور الاهتمام بالفيلم التسجيلي وتمثل في اهتمام الدولة من خلال أجهزتها الرسمية، ثم تنوع في اهتمام السينمائيين التسجيليين أنفسهم من خلال إنشاء شركات إنتاج خاصة وإنشاء جماعة السينمائيين التسجيليين، وكذلك التغيير في شكل الفيلم التسجيلي ذاته ومضمونه من خلال ظهور التيار الاجتماعي.