أخيراً سمحت الحكومة الأميركية للمرة الاولى لمراسل صحافي بزيارة معسكر الاعتقال في غوانتانامو في كوبا بعد رفض طويل لاطلاع أي طرف على ما يجري داخل أسوار المعسكر سيىء الصيت المحاط بكثير من السرية وإجراءات أمن شديدة لدرجة أنه لا يُسمح للسيارات المارة بجوار المعتقل بأن تتجاوز سرعتها ال25 كلم في الساعة. يتألف المعسكر من مجمعات صغيرة معزولة عن بعضها بعضاً وتضم نحو 700 معتقل من 42 جنسية مختلفة القي القبض عليهم في أفغانستان أو على حدودها مع باكستان عقب الحرب الاميركية على نظام حكم "طالبان" وإسقاطه في الربع الأخير من عام 2001. سمح لمراسل "نيويورك تايمز" بزيارة أقسام المعسكر والتحدث إلى الحراس والجنود الأميركيين فيه فقط من دون الاقتراب من المعتقلين الذين لا يزال ممنوعاً أي اتصال بهم. وأشار المراسل إلى شعار مخطوط بأحرف كبيرة يقول "الشرف يقضي بالدفاع عن الحرية"، ولم يجد الضابط المسؤول عن معتقل دلتا أي تناقض بين مضمون الشعار الذي يتحدث عن الحرية وحقيقة أنه مثبت عند بوابة المعتقل. كما لاحظ وجود مترجم يمضي وقته بشكل متواصل مع المعتقلين المحتجزين هناك لفترة غير محددة ويمارس معهم الرياضة ولعبة كرة القدم، مهمته تسهيل التفاهم بين المعتقلين وإدارة المعتقل ويساهم في دروس الدين وحفظ القرآن التي يمارسها المعتقلون ويعلمهم اللغة الإنجليزية قراءة وكتابة. ويمضي المعتقلون وقتاً طويلاً في لعب الشطرنج ويؤدون الصلاة ويشاهدون الكثير من أفلام الفيديو التي هي في معظمها رسوم متحركة أو عن الطبيعة. وذكر أحد الحراس أن المعتقلين مولعون بالأفلام عن المحيطات وبأمكانهم مشاهدة المحيط الأطلسي من خلال النافذة الكبيرة في السياج من ناحية المحيط. ولاحظ المراسل، في تقريره الطويل الذي نشرته "الاوبزرفر" البريطانية امس ايضاً، وجود قسم للأحداث في معتقل إيغوانا وشاهد بنفسه عن بعد ثلاثة معتقلين قاصرين تراوح أعمارهم بين 13 و15 سنة. ولم يلاحظ وجود إجراءات أمنية في هذا القسم على رغم اعتبارهم شديدي الخطورة نظراً للكراهية العميقة التي يكنونها للولايات المتحدة. ونقل عن أحد الحراس قوله أن الأحداث في المعتقل مؤدبون جداً إذ ينهضون احتراماً له كلما دخل العنبر الذي يقيمون فيه، وهو احترام لم يحظ به حتى في الولاياتالمتحدة عندما كان يمارس مهنة التعليم في ولاية ميتشيغان. وأشار الحارس الى أن بعض الأحداث يعاني من حالات نفسية شديدة الوطأة وتنتابهم كوابيس في الليل من جراء التجارب الرهيبة التي مرّوا بها كجنود صغار أسروا في ساحة المعركة وأن السلطات الأميركية كلفت طبيباً نفسياً برعايتهم. واشار المراسل الى إعلان الجنرال جوفري ميلر المسؤول عن المعسكر أن المسؤولين الأميركيين يسعون إلى إعادة المعتقلين إلى "وضعهم الطبيعي كبشر". وتساءل ما هو المقصود ب "الطبيعي" وكم من الوقت تستغرق هذه العملية كي يصبح المعتقلون طبيعيين؟ وأفاد أن حوالي 125 من المعتقلين يحتجزون في زنازين انفرادية حجم الواحدة لا منفذ فيها سوى ثقوب في ابوابها لا تتسع لتمرير قلم رصاص عبرها. ويسمح للمحتجزين بالخروج ل 20 دقيقة في حديقة قريبة وهم مكبلون "تكبيلاً ثلاثياً" بالقدمين واليدين وتحت حراسة مسلحة من الجنود. ورغم إصرار وزارة الدفاع على أن ظروف الاعتقال في غوانتانامو جيدة جداً بخدماتها الصحية والتعليمية والغذاء والخدمات الروحية، فضلاً عن ممارسة الشعائر الدينية، أشار المراسل إلى ارتفاع عدد محاولات الانتحار داخل المعتقل، ففي عام 2002 جرت عشر محاولات، فيما بلغ عددها في الشهور الثلاثة الأولى فقط من العام الحالي 14 حالة، معظمها عن طريق الشنق. وتحدث عن التحقيق الذي يخضع له المعتقلون متسائلاً عن سبب عدم انتهائه على رغم مرور أكثر من سنة ونصف السنة على توقيف المعتقلين.