أعادت تداعيات سقوط النظام العراقي الى التداول مصطلح "سايكس - بيكو" الشهير. والناس يذكرون هذا المصطلح بالترادف مع الذم والقدح، واعتباره بداية مأساة العرب وتمزيقهم الى دول، والواقع هو العكس بالضبط. فالسيدان مارك سايكس، البريطاني، وجورج بيكو، الفرنسي، كانا يمثلان حكومتيهما، بريطانيا العظمى وفرنسا، الخارجتين منتصرتين من الحرب العالمية الأولى، ووقعا اتفاقية رتبت أوضاع الأقاليم التي كانت ضمن ممتلكات الامبراطورية العثمانية المنهارة. وإذا أمعنا النظر في وضع هذه الأقاليم منذ فجر التاريخ الى تاريخ هذه المعاهدة لم تكن هذه الأقاليم يوماً دولة واحدة في العصور السابقة، بل كانت أقاليم تابعة لأمبراطوريات سادت ثم بادت، بدءاً من الامبراطورية البابلية الأولى، ثم الاشورية، وبعدها البابلية الثالثة، تبعتها الفارسية ثم اليونانية امبراطورية الاسكندر، ثم الفارسية الساسانية، وأخيراً الإسلامية بعد الفتح الإسلامي. ولم تدم سيادة العرب على الامبراطورية الاسلامية سوى تسعين عاماً في الخلافة الأموية، وبضعة أعوام من الخلافة العباسية. ثم ساد الفرس، وبعدهم الأتراك، فالمغول، فالقبائل التركمانية، فالأتراك العثمانيون الى حين سقوطهم في الحرب العالمية الأولى. وطوال هذه المدد التاريخية لم تكن هناك دولة عربية واحدة، كما يتصور من يعتقدون انه كانت هناك دولة عربية تمتد من المحيط الى الخليج، وقسم هذه الدولة السيدان سايكس وبيكو. فهذا الاعتقاد غير صحيح. والواقع ان اتفاقية سايكس - بيكو خدمت العرب، وقدمت لهم دولاً لم يكونوا قادرين على إنشائها بجهودهم الذاتية. بعد نهاية الحرب العالمية الأولى مباشرة ظهرت تركيا الحديثة، بقيادة مصطفى كمال أتاتورك دولة فتية قوية تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها، واستطاعت أن تطرد اليونانيين من الأراضي التركية، وهددت المدن اليونانية نفسها، ولا تخفي رغبتها في إعادة احتلال العراق. ومن جهة أخرى كانت الدولة الإيرانية في مرحلة نهوض، بعد استيلاء العسكري رضا شاه على السلطة، وانشاء أسرة بهلوي الحاكمة والاستيلاء على اقليم خوزستان. وكان العرب منهمكين في صراع داخلي شديد، وكانت مصر تحت النفوذ البريطاني. ولولا اتفاقية سايكس - بيكو التي أوجدت للعرب الكيانات الحالية، لتقاسم الأتراك والإيرانيون أرض الامبراطورية العثمانية، ولعادت الشعوب العربية أجزاء من أقاليم تابعة لإيران وتركيا، على ما حصل في الاسكندرون وخوزستان. لندن - سردار البياتي