في أول خطوة للانتقال الى السياحة الأسرية استكمل في تونس اخيراً انشاء مجمع سياحي مؤلف من شقق ومساكن مفروشة يطل على البحر في اجمل المواقع الجبلية، شمال العاصمة تونس. ولم يركز التونسيون في الماضي على السياحة الاسرية التي تستقطب العرب والخليجيين خصوصاً، لان اوروبا استمرت تشكل السوق الرئيسة طوال ثلاثة عقود. لكن مع التغييرات الكبيرة التي شهدتها السوق السياحية الدولية في العامين الأخيرين ظهرت اتجاهات جديدة داخل تونس تحث على الالتفات أكثر الى السوق العربية، حيث ازداد الطلب على الوجهات السياحية البديلة للمنتجعات الغربية. كذلك بات الخليجيون يبحثون عن منتجعات سياحية في البلدان العربية، وعادوا بذلك مجدداً الى لبنان والاردن ومصر فيما تقدم الاهتمام بالسائح العربي الى صدارة اولويات كثير من البلدان السياحية جنوب المتوسط. "أبراج" للسائح الخليجي ويمكن القول ان المدينة الجديدة التي ستديرها مجموعة "غولدن توليب" الهولندية في ضاحية قمرت بين البحر والجبل هي الخطوة الاولى نحو استقطاب السائح الخليجي لتمضية اجازاته في تونس، وربما تملك بيت او شقة في المدينة التي تقع في ضاحية راقية على مقربة من قصور الضيافة وبيوت السفراء. ويتألف المجمع من 136 شقة مفروشة موزعة على ثمانية احياء اطلق عليها اسم "ابراج" لانها تختلف عن الاحياء التقليدية. وتدير المجمع شركة "توليب إن" المتفرعة من مجموعة "غولدن توليب". وتتوافر فيه المرافق التي يحتاجها السياح لتأمين حياة اسرية مستقلة من مطبخ وغرف نوم وحمامات. وهناك ستة اصناف مختلفة من الشقق تتناسب مع تفاوت حجم الاسر، اضافة الى مواقف للسيارات ومكتب للاستقبال ومحل لخدمات الغسيل والكي. كذلك هناك فندق من فئة خمس نجوم الى جانب المجمع لمن يحتاج الى خدمات سياحية، ومركز للنشاط الرياضي ومسبح مغطى وآخر مكشوف وصالة بولينغ ومركز للسونا، بالاضافة الى سلسلة من المطاعم والمحلات التجارية المنتشرة على طول الساحل. كذلك يقوم ملعب للغولف في ضاحية سكرة القريبة من قمرت. لمسة اندلسية وتطل غالبية الشقق على البحر او على غابة تتربع فوق ربوة قمرت ما جعلها شبيهة بالمنتجعات المتوسطية في اسبانيا وايطاليا، الا ان ميزتها قد تكون في لمستها الاندلسية الواضحة، إذ اخضعت هندستها لنمط البيوت العربية الذي يعتمد الخطوط المنحنية والأقواس والدوائر والقباب. ويعتبر زوار كثيرون يرتادون مجمع "منتزة قرطاج" ان عمارته صدى حديث لسيدي بوسعيد الضاحية التونسية الشهيرة التي اسرت كتاباً ورسامين اوروبيين كثيرين بعمارتها الفريدة منذ القرن التاسع عشر. ومن أهم القواسم المشتركة بينهما اللونان الابيض والازرق اللذان يرمزان الى البحر والضوء. والطريف انه لا يبعد عن ضاحية سيدي بوسعيد سوى ثلاثة اميال ويمكن مشاهدة بيوتها ومقاهيها وقصورها من "منتزه قرطاج" كونه يقع فوق ربوة يصل ارتفاعها الى سبعين متراً عن سطح البحر. ويتناسب "منتزه قرطاج" مع حاجات السائح العربي الذي يزر تونس ليس فقط لكونه يعتمد على مفهوم تأجير الشقق المفروشة بدل الفنادق التقليدية، وإنما كذلك لقربه من أهم المزارات السياحية في محيط العاصمة تونس، فمدينة قرطاج بآثارها ومسرحها التاريخي وموانئها الفينيقية تقع على مرمى حجر منه، وكذلك قصر البارون البريطاني "درلنجي" الذي صار مركزاً للموسيقى المتوسطية وهو يعتبر من اجمل المتاحف المتخصصة في العالم، وغير بعيد منه ميناء اليخوت عند سفح جبل سيدي بوسعيد. ومع تراجع اقبال السياح الاوروبيين على البلدان العربية منذ احداث الحادي عشر من ايلول سبتمبر 2001 ومن ضمنها تونس التي كان يزورها مليون سائح الماني في السنة، يرجح العاملون في قطاع السياحية ان تظهر مجمعات سياحية مماثلة من طراز جديد معدة للاستجابة لحاجة السائح العربي وتقاليده التي تختلف عن طلبات السياح الأوروبيين وميولهم. وفي هذا السياق يعمل التونسيون على مضاعفة عدد السياح العرب من 30 الف سائح حالياً الى 50 ألفاً او 100 ألف في الفترة القريبة المقبلة، ولاحقاً الى مستوى البريطانيين أي 300 ألف سائح او الايطاليين الذين يبلغون 400 ألف سائح. ويعتقدون ان تراجع اقبال السياح الغربيين مرشح ليستمر هذه المرة خلافاً لمرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية التي زالت الانعكاسات إثرها سريعاً. وشكل فتح خطوط جوية الى البلدان العربية المصدرة للسياح وتعزيز خطوط اخرى تكريساً لهذه الخيارات الجديدة، وهكذا تم تسيير رحلة اسبوعية الى دبي عبر بيروت وتمتعت بالحرية الخامسة في المحطتين، اضافة الى الخط الصيفي الموجود بين تونس وابوظبي عبر دمشق، ويتوقع ايضاً ان يرتفع عدد التونسيين الذين يزورون الامارات من ستة آلاف سائح حالياً الى عشرة آلاف سائح في الفترة المقبلة، وهو نمو سيسمح للخط الجوي بأن يستمر وتزداد وتيرة رحلاته لخدمة حركة السياحة الوافدة من الخليج ولبنان.