لم يعد الشعب البريطاني مهتماً ب"اكاذيب" حكومته بشأن وجود اسلحة دمار شامل في العراق من عدمها، ولا بالتخلي عن الجنيه الاسترليني والالتحاق بركاب "اليورو" الذي يؤرق الاقتصاديين ولا باحتفالات اليوبيل الذهبي للملكة اليزابيث الثانية بذكرى تتويجها... فهمهم الاول هو اين سيكون قائد المنتخب الانكليزي ديفيد بيكهام في بداية الموسم الجديد؟ لم تخل صفحات الجرائد، الشعبية والرسمية، الاولى والداخلية والاخيرة على مدار الاسابيع الماضية من الجدل والقصص عن اشهر شخصية رياضية بريطانية في تاريخها... حتى ان هذا "الهوس" انتقل الى البرامج التلفزيونية السياسية والاجتماعية، وطرح سؤال مهم في احدها: هل من واجبنا كبريطانيين السعي الى الابقاء على بيكهام في بريطانيا كونه يعد من اهم ثروات البلاد لما يمثله من نموذج صالح للاعب والاب والزوج والشاب لكل اطفالنا؟ كل هذه العواطف المؤثرة لن تؤدي هدفها عندما يتعلق الامر بالمنافع المادية، فما لا شك فيه هو ان البائع والمشتري في صفقة بيكهام يستندان على العوائد المالية لكلا الطرفين. فمانشستر لن يخسر لاعباً مؤثراً ولا برشلونة او ريال مدريد سيعززان صفوفهما ب"فلتة زمانه"، لكن خيوط فكرة التخلي عنه ولدت في ذهن رئيس نادي مانشستر يونايتد بيتر كينيون قبل عامين عندما وقع عقداً مع شركة "نايكي" للتجهيزات الرياضية بقيمة 300 مليون جنيه نحو 500 مليون دولار لمدة 13 عاماً يحق لها حصرياً صنع فانلات الفريق وبيعها، وعلى اساس هذا الاتفاق الذي بدأ العمل به العام الماضي وحصل النادي على نحو 23 مليون جنيه سنوياً. وتيقن كينيون الى حقيقة مهمة هي ان النادي هو الذي يصنع صورة اللاعب وشهرته وليس العكس، ولذا حين بات بامكانه التخلي عن نعمة بيكهام تجارياً كان لا بد من سؤال المدرب اليكس فيرغسون ان امكن التخلي عن "بيكهام اللاعب" خصوصاً ان راتبه هو الاعلى بين زملائه 90 الف جنيه اسبوعياً. جواب فيرغسون كان قصيراً وصريحاً: "نعم... لأنه ليس هناك لاعب "أكبر" من مانشستر يونايتد". صراع المصالح والأموال بعد اتفاق رئيس نادي مانشستر يونايتد مع مدربه على تحديد مبلغ مقداره 30 مليون جنيه استرليني في مقابل الاستغناء عن بيكهام، واستخدام هذا المبلغ لضم اكثر من لاعب، خصوصاً ان سوق الانتقالات تحتضر... برز الصراع الاكبر بين شركتي "نايكي" والغريم التقليدي "اديداس". فالاولى هي الراعية لفانلات "الشياطين الحمر" والشريكة التجارية لبرشلونة الاسباني أيضاً، والثانية هي الراعية التجارية الشخصية لبيكهام وايضاً لريال مدريد. والقت الشركتان بثقليهما خلف الناديين الاسبانيين للظفر باللاعب. واكد خوان لابورتا احد المرشحين لرئاسة برشلونة جدية نيات النادي لضمه حتى لو لم ينجح في الانتخابات. ولا حديث للكتالونيين عما سيضيفه بيكهام للفريق تكتيكياً وانما التركيز ينصب الفائدة المادية من وراء ضمه. وأوضح المسؤول المالي في برشلونة فيران سيريانو ان "ضم بيكهام سيزيد مداخيلنا بما بين 60 و100 مليون يورو خلال السنوات الاربع المقبلة". كما ان دخول ريال مدريد على الخط لم يكن بدافع مواهب بيكهام الكروية وانما بدافع الضغط الهائل من "اديداس" الذي أوضح رئيسها هيربت هاينر "لا ادري ماذا سيحصل، لكن من مصلحة اللاعب وريال مدريد وشركتنا كروياً وتجارياً ان نجتمع معاً. في حقلنا نقوّم النجم الحقيقي بشعبيته عالمياً وامكان تسويقه تجارياً وليس بمواهبه في الملعب". اختيار بيكهام؟ الصورة الآن هي ان هناك معسكرين: الاول يضم مانشستر يونايتد وبرشلونة و"نايكي"، والثاني يضم بيكهام وريال مدريد و"اديداس". لكن كيف ستنجح الصفقة اذا كان مانشستر وافق على عرض برشلونة ورفض عرض ريال تحت تأثير "نايكي"... فيما رفض بيكهام عرض برشلونة ووافق على ريال مدريد بمساعدة "اديداس"؟ السيناريوات متعددة ومحيرة، لكن اي اتفاق سيعود اصلاً الى موافقة بيكهام الذي قال: "صدمت من الطريقة التي عاملني بها النادي الذي عشقته منذ صغري، واشعر كانني عبد او قطعة لحم يتم التفاوض على شرائي وبيعي"! لكن يبقى المهم أن 85 في المئة من انصار مانشستر يثقون في قرار المدرب التخلي عن بيكهام، في اشارة صريحة الى ان "بيكهام اللاعب" لا حاجة له في نظر المشجع الذي لا تهمه قيمة العقود التجارية وحق استغلال الصورة.