فرانكفورت هي نبض الحياة الاقتصادية الالمانية وملتقى الاقتصاديين الاوروبيين والعالميين. فالمدينة التي تُعرف ب"مانهاتن المانيا" تزدان شوارعها العريضة بناطحات السحاب، ولا يكاد يمر شهر من دون معرض محلي أو عالمي. وفي حين يختار رجال الاعمال فرانكفورت لعقد الصفقات التجارية أو تأسيس مقرات لشركاتهم، فإن المدينة تتمتع من ناحية أخرى بجمال طبيعي وآثار تاريخية تجذب السواح. وعلى رغم ان معظم الذين يزورونها لا يقضون فيها سوى ايام معدودة محصورة بين الاجتماعات والمعارض، فإن هناك نسبة من الزوار يقصدونها للتمتع بطابعها المختلف ومتاحفها الشهيرة. عندما تحلّق الطائرة فوق فرانكفورت، وقبل الهبوط في مطارها الدولي، يرى الزائر ناطحات السحاب تطاول السماء في مركز المدينة، تحيطها الاشجار والغابات الواسعة. وخلال التجول في أنحائها، يتضح انها ما زالت تحافظ على طبيعتها على رغم انتشار العمارة الحديثة. ففي المركز يقع "حي البنوك" الذي يحتضن مقرات أهم البنوك الالمانية والعالمية، مثل "دويتش بنك" و"كريديت سويس" و"البنك العربي الوطني". وتتخذ "البورصة الالمانية" مقرها بالقرب من الحي الذي انطلقت منه العملة الاوروبية الموحدة "اليورو" العام 2000، إذ يحتل المصرف المركزي الأوروبي مبنى "يورو تاور" المجاور. ومن العمارات التي تشد انتباه الزائر مبنى "ماين تاور" الذي يرتفع إلى أكثر من مئتي متر ويتألف من 55 طابقاً فوق الارض، وخمسة تحتها. وبعد أن استغرقت عملية البناء ثلاث سنوات وكلّفت 300 مليون دولار أميركي، افتتح البرج أبوابه لاستقبال الشركات والبنوك العام 1999. وبالاضافة الى الشركات، تتخذ محطتان تلفزيونية وإذاعية البرج الضخم مقراً لهما. ويستطيع الزائر الاستمتاع بمناظر فرانكفورت الخلابة من الطابق الاعلى حيث توجد مساحة مفتوحة للجميع لقاء مبلغ للدخول يتراوح بين 3 و6 يورو للشخص. ولمن يريد ان يستمتع بمشاهدة المدينة حول مائدة شهية، هناك مطعم في الطابق الثالث والخمسين يفتح أبوابه كل يوم ما عدا الاثنين. وقد صُمم المطعم على شكل دائري حول اطراف البرج، وتمنح نوافذه الفسيحة كل طاولة مجالاً لمشاهدة المنظر الفريد. وبعد غروب الشمس، تبدو المدينة من أعلى البرج وكأنها إمرأة تزدان بالحلى والمجوهرات التي تعكس الاضواء الدافئة في كل اتجاه. وإلى جوار "حي البنوك" يقع اشهر شارعين للتسوق، الأول "تزايل" يضم عشرات المحلات التجارية الممتدة على طرفي الشارع العريض الذي تتكاثر في آخره المطاعم الصغيرة حيث يستطيع المتسوق ان يجلس قليلاً ليستريح من زحمة المحلات. ويتفرع هذا الشارع الى قسمين، واحد يُعرف بشارع "المطاعم" والآخر بشارع "الاغنياء". في الأول مطاعم تقدم أطباقاً من مختلف مطابخ العالم، وفي الثاني اعرق متاجر دور الازياء العالمية. ومن أبرز معالم فرانكفورت "متحف غوته" المخصص لتراث الكاتب والشاعر الشهير يوهان وولفغانغ غوته، ويضم 14 غرفة تُعرف الزائر إلى حياة غوته والمحاور التي أثرت في كتاباته. وقد أُسس قبل مئة عام بالقرب من مكان ولادته لتوثيق حياته 1749 1832، ويزوره سنوياً عشرات الآلاف من المعجبين بأعمال غوته. ويقع "متحف غوته" في قلب المدينة بالقرب من متاحف عديدة أخرى مثل "متحف الفن المعاصر" و"متحف الهندسة المعمارية". ومن أجمل مباني فرانكفورت "دار الاوبرا القديمة" التي تعود الى العام 1880، وقد تعرّضت للقصف خلال الحرب العالمية الثانية وظلّت على حالها حتى منتصف السبعينات حيث بدأت عملية الترميم لتنتهي في العام 1980. وعلى رغم ترميمها إلا انها لا تستخدم الآن لعروض الاوبرا بل تُعقد فيها الاجتماعات والمعارض في حين تستقبل "دار الأوبرا الجديدة" معظم حفلات الاوبرا. ومع ذلك ما زالت "الدار القديمة" تجتذب الزاور خصوصاً خلال احتفال الاوبرا السنوي الذي يعقد فيها، بالاضافة الى المهرجانات التي تقام في ساحتها الواسعة حيث المقاهي المنتشرة حول نافورة ماء جذّابة. وفي فرانكفورت حديقة نباتات تعرف باسم "حديقة النخيل" تحتوي على مختلف انواع الاشجار والنباتات من كل قارات العالم، وتعرض على مدار السنة زهوراً مختلفة الالوان والأشكال في بيت زجاجي قرب "دار النخيل" التي تعود الى العام 1869. ويمكن لزائر المدينة ان يقضي نهاراً كاملاً وهو يتجول في هذه الحدائق متعرفاً على أغرب انواع النباتات. وعلى ضفتي نهر "ماين" الذي يخترق وسط المدينة، تنتشر محطات صغيرة تؤمن للسياح قوارب تأخذهم في جولات نهرية تقدم لهم نظرة جديدة إلى المدينة. وهذه الجولات، إما طويلة أو قصيرة، حسب رغبة السائح. وفي فصل الربيع، عندما يصبح الجو دافئاً وتورق أغصان الاشجار وتتعالى زقزقات الطيور، فإن هذه الجولات تمنح السياح نكهة خاصة وراحة بال هادئة. ومنذ العام 2002 تحولت العملة الرسمية الالمانية من "المارك" الى "اليورو". والشخص الذي يذهب من بريطانيا إلى المانيا يلاحظ ان مستوى الغلاء في لندن أعلى بنسبة تتراوح بين 25 و30 في المئة. لكن سكان المانيا يشكون من ارتفاع الاسعار منذ انطلاق اليورو، إذ تغيرت اسعار معظم البضائع من المارك الى اليورو من دون اعادة حساب فرق السعر. فالسلعة التي كان سعرها 5 ماركات مثلاً اصبحت تباع بخمسة يورو من دون حساب القيمة النقدية لليورو الواحد الذي كان يعادل 95.1 مارك. وهذا ما أثّر في مستوى المعيشة وادى الى ارتفاع الاسعار. ومن اشهر صفات فرانكفورت ومعظم المدن الالمانية دقة مواعيد القطارات والباصات ما يجعل التنقل في المدينة سهلاً جداً. وبواسطة بطاقة يومية قيمتها أقل من 4 يورو، يستطيع الزائر التنقل بحرية. وبعد الوصول الى وسط المدينة، من السهل السير الى معظم المناطق الشهيرة والدخول إلى الأزقة الضيقة والمنعزلة التي تأخذ الانسان الى زمن بعيد، حيث الطرق الحجرية المتعرجة التي كانت قبل زمن الاسفلت وناطحات السحاب!