ليس في امكان شعبان عبدالرحيم ان يراهن دائماً على تعاطفنا مع "قضاياه". ليس في وسعه ان يبتز طوال الوقت مشاعرنا المناهضة لمضطهديه من الطبقيين وعنصريي الثقافة الذين اعتادوا التهجم على "مكوجي جاهل" في وجهه شرخ، يغني "كداب يا خيشة" ثم يكره اسرائيل. ليس بعد اليوم. عذراً "شعبولا". فحينما يصل الأمر الى أغنية تمجّد السفاح المخلوع وتترحم على زمانه متهمة الفارين من مشنقاته والفارات من غرف نوم ابنه بأنهم "الجاحدون" الذين آثروا الارتماء في "جنة الامريكان" على "نار صدام"، لا بد من وقفة. وحينما تكون الترنيمة بعنوان "صدّام يا صدّام"، يكتبها اسلام خليل مؤلف "بحب عمرو موسى" بكثير من الاسى مصرحاً بأن لديه "معلومات" عن مخبأ صدام حسين لا يعلم عنها جهاز ال"سي آي اي" ويكشف عنها شعبان، فإن الترهات لن تعود تضحكنا. اذ بات هناك من يقترب، حتى لو كان بفعل سذاجة عفوية، من اقتحام الخطوط الحمر التي لقدراتنا الاحتمالية. لم يعد الأمر مسلياً كما كان. قطع شعبان الشعرة التي كانت تجعله الى حد ما بمنأى عن تصنيفنا له في خانة الابتذال الغبي. فعندما غنى هذا المطرب الشعبي في الايام التي سبقت هدم تماثيل الطاغية أغنية "الضرب في العراق"، استطاع ان يلامس مشاعرنا الحميمة والحامية آنذاك ويراوح عند ذهنية الخرافة التي كانت متلبسة غالبيتنا. نجح في فعلته هذه، ما دفع بوكالة الصحافة الفرنسية آنذاك الى ترجمة الاغنية وعرضها على شاشة التلفزيون الفرنسي. وحينما أصر شعبان في لقائه مع مذيع محطة "سي أن أن" الاميركي من اصول يهودية على موقفه بأنه "يكره الاسرائيليين المحتلين" صفق له الجميع، واضطرت اسرائيل للرد على لسان مغنيتها الشهيرة يافا ياركونر بدفعها للتغني بحب المصريين بهدف احراج شعبان والمصريين والعرب امام الرأي العام العالمي بكثير من الدهاء والخبث الاسرائيليين المعروفين. ذلك كله ظل في حدود المقبول بل والمرحب به. وأعجبنا بالمغني الطالع من أزقة منطقة الشرابية الشعبية الى المنبر الإعلامي الأشهر في العالم. الى ان بدأ "التخبيص" وطالعنا صاحب "حبطّل السجاير" بأغنية "يتهم" فيها احد زلمات السلطان الطاغية والمسؤول الأول عن خديعة العصر الاعلامية "القومية" محمد سعيد الصحاف "بالكرامة". "انا بعشق الصحاف.. في الحق كان عنيد.. بكرامة عاش ما خاف"، يقول شعبان في اغنية من شريطه الجديد. يبدو مستمراً في توزيع عشقه الذي لا ينضب على اي كان يراه صدفة على شاشة الاخبار المسائية او يسمع عنه من زملائه في المقهى عند الظهيرة. هل يتطوع احد المخلصين كي يقرأ لشعبان القليل من الاطنان التي تنشرها الصحف كل يوم عن الجرائم والمقابر الجماعية التي تنبش من مقبرة صدام الدموي؟ هل يروي له احد عن حكايات شهريار العراق عديّ "الفحل"، طرزان الغابة؟ من يخبره بأن الصحاف لم يكن "بطلاً الى لحظته الاخيرة" بل "منافقاً الى لحظته الاخيرة"؟ وانه هو الذي صرح، في تلك الليلة الميمونة، ليلة الثامن من نيسان ابريل، امام الصحافيين المتجمعين في فندق فلسطين اننا "نطبق على الغزاة العلوج ونحاصرهم في دباباتهم على رغم انه كان مر قبل مجيئه على جسر الجمهورية قبالة نصب الحرية وشاهد بأم عينيه الدبابات الرابضة هناك، قبل ان يستقل سيارة "التويوتا" ويهرب متنكراً. لا لم يكن الصحاف بطلاً ولن يكون شعبان عبدالرحيم كذلك. فالبطولة اكبر من ان يصنعها مأمور منافق ومغن يردد ما ليس مقبولاً!