احتدمت المواجهة الديبلوماسية بين أميركا ومعارضي الحرب على العراق، وسارع البيت الأبيض إلى الرد على بيان فرنسي - روسي - الماني يتعهد "عدم السماح بتمرير مشروع قرار في مجلس الأمن، يتيح استخدام القوة". إذ أكد أن الرئيس جورج بوش سيواصل مشاوراته مع الحلفاء في شأن مشروع القرار الأميركي - البريطاني - الاسباني، و"واثق من النتيجة النهائية". وتسارعت مجدداً وتيرة التجاذب بين واشنطن التي تؤازرها لندن ومدريد، وبين موسكو وباريس وبرلين، عشية جلسة "حاسمة" لمجلس الأمن غداً، يحضرها وزراء خارجية الدول الكبرى المعنية بالأزمة العراقية، وفي مقدمهم الوزير الأميركي كولن باول للاستماع إلى تقريري رئيسي هيئتي التفتيش هانس بليكس ومحمد البرادعي. راجع ص2 و3 و4 وعقد بوش أمس اجتماعاً لأركان إدارته، في ما يوصف ب"قيادة الحرب"، وباشر البنتاغون نشر 24 قاذة استراتيجية في جزيرة غوام لمواجهة توتر مع كوريا الشمالية، أو استعداداً لحرب على العراق، فيما ألقت طائرات أميركية وبريطانية منشورات فوق هذا البلد تحض الجيش على التمرد. وفي وقت حذر السفير الأميركي في موسكو من احتمال تضرر العلاقات مع الولاياتالمتحدة إذا أصر الكرملين على موقفه من مشروع القرار الجديد، علمت "الحياة" ان اجلاءً شاملاً لرعايا روسيا وعدد من دول الكومنولث من العراق، سيبدأ اليوم، تحسباً لحرب يتوقع أن تندلع في 15 أو 17 الشهر الجاري. وطرأ تطور بارز على صعيد مصير "الجبهة" التركية التي تراهن واشنطن على نشر 62 ألف جندي أميركي فيها، تمهيداً لاختراق شمال العراق، إذ أعلن رئيس الأركان التركي حلمي اوزكوك تأييد الجيش قبول حكومة عبدالله غل نشر تلك القوات، على رغم رفض البرلمان. ووجه رسالة تحذير إلى الأكراد العراقيين الذين شكلوا قيادة عسكرية - سياسية مشتركة بين حزبي مسعود بارزاني وجلال طالباني، وقال: "من حقنا الدفاع عن مصالحنا المشروعة، ونطلب منهم الاتزان والتعاون". وتحدث عن "ضمانات" أميركية لأمن تركيا ومصالحها الاقتصادية. وكشفت مصادر أن نواباً في البرلمان التركي قد يغيرون موقفهم لمصلحة قبول الانتشار العسكري الأميركي، في حين رفض بوش موقف الفاتيكان الذي يعتبر الحرب على العراق بلا مبرر أخلاقي. وكثف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير حملته الديبلوماسية لحشد الدعم لمشروع القرار، فأوفد مبعوثين إلى سورية وباكستان، وهما عضوان في مجلس الأمن. ونقلت وكالة "اسوشيتدبرس" عن باول قوله لمحطة "او ار تي" التلفزيونية الروسية ان واشنطن تعد لخوض الحرب على العراق، بقرار دولي أو من دونه، فيما نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن رئيس الأركان الأميركي ريتشارد مايرز ان قواته أكملت استعداداتها وتنتظر أوامر بوش لبدء الهجوم. ونسبت إلى مسؤول عسكري أميركي آخر ان الخطة الجاهزة التي ستحدث "صدمة قوية" للقيادة العراقية، بحسب تعبير مايرز، تقضي بقصف العراق بثلاثة آلاف صاروخ وقذيفة موجهة خلال 48 ساعة، لتبدأ بعدها العمليات البرية. وكان متوقعاً أن يقدم باول في خطاب له ليل أمس "عناصر اتهام جديدة" ضد العراق، واستمع بوش وكبار المسؤولين في إدارته إلى ايجاز من قائد القوات الأميركية الجنرال تومي فرانكس، ركز على الخطط العسكرية "شبه النهائية"، لاجتياح العراق وإطاحة نظامه، والتعديلات المحتملة المحدودة التي قد تطرأ عليها، في حال تمسك البرلمان التركي بموقفه. وقالت مصادر رسمية أميركية ل"الحياة" إن "الايجاز الاستراتيجي" الذي قدمه فرانكس في البيت الأبيض، بحضور باول ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول ولفوفيتز ومدير الاستخبارات الأميركية جورج تينيت "لم يترك مجالاً للشك بأن قرار الحرب اتخذ، وأن شنها بات وشيكاً جداً". وزادت المصادر ان أميركا ستتخلى عن سعيها إلى قرار ثانٍ لمجلس الأمن، في حال تأكد أن فرنسا أو روسيا ستستخدم حق النقض لتعطيله. وكان مايرز أكد أن الحرب "ستكون قصيرة" ولمح إلى أنها قد تنتهي "من دون الحاجة إلى القتال في بغداد". وقالت مصادر ديبلوماسية ل"الحياة" إن ما لا يقل عن نصف القوات الأميركية التي كان مقرراً أن تشارك في الهجوم عبر الأراضي التركية "موجودة في تركيا". إلى ذلك، نفى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان أمس معلومات صحافية نشرت في لندن، تشير إلى "خطة سرية" لدى المنظمة الدولية لإدارة العراق في مرحلة ما بعد الرئيس صدام حسين. وأكد أنه ناقش "خططاً طارئة" للمنظمة في هذا البلد، مع أعضاء مجلس الأمن "لا سيما في المجال الإنساني". وشارك حوالى نصف مليون مصري في تظاهرة حاشدة في القاهرة هتفت للرئيس حسني مبارك وضد الحرب، وعبرت ثلاث سفن أميركية وأخرى بريطانية قناة السويس للالتحاق بالقوات المنتشرة في الخليج. وفي نيويورك، قالت مصادر أميركية إن إدارة بوش "تنظر جدياً" في إمكان الموافقة على أفكار طرحتها بعض الدول الست المترددة في مجلس الأمن، تشيلي والمكسيك وباكستان وغينيا والكاميرون وأنغولا، وهي تصب في خانة اعطاء فترة 48 ساعة كإنذار أخير للعراق، بعد تبني مشروع القرار الأميركي - البريطاني - الاسباني. وتتعهد واشنطن بموجب ذلك الاقتراح عدم بدء العمليات العسكرية لفترة 48 ساعة تلي تبني القرار. وتصبح تلك الفترة الفسحة الأخيرة المتبقية أمام القيادة العراقية للتنحي، أو لحدث داخلي يطيحها بالتزامن مع العد العكسي لبدء الاجتياح. وتتوقع الإدارة تقريراً من بليكس والبرادعي أكثر ايجابية لمصلحة العراق. لكن المصادر الأميركية أكدت أنه بصرف النظر عن التقرير، فإن العراق أهدر الفرصة الأخيرة.