يكثر حديث المواطنين العرب، في هذه الأيام، عن ضعف حكامهم، ومواقفهم الخائبة، وتفرق كلمتهم. ولا يخرج مضمون هذا الحديث، في معظم الأحيان، عن ابداء الحسرة والأسى لما وصلت اليه الحال، مع قليل من السب والشتم لهذا الحاكم أو ذاك. وغالباً ما ينفض المجلس بعد أن يرفع المتفائلون أيديهم الى السماء ليسألوا الله ان يبدل أحوالهم الى أفضل. ويقول المتشائمون: اننا نستحق هذا وأكثر من هذا. هذا الكلام لا يقتصر على الطبقات الجاهلة، وانما يدور في أوساط الطبقة المثقفة، ويشارك فيه أطباء، والمشكلة ان التعامل مع الخطأ سطحي وعاطفي وبعيد من العقل والمنطق والعلم والمعرفة، وسلبي يؤدي الى تكريس الخطأ بدلاً من اصلاحه. ولكي نستطيع ان نقول لا لأميركا يجب ان تكون أوطاننا قوية. ولكي يكون الوطن قوياً يجب ان يكون أفراده أقوياء. ولكي يكون أفراده أقوياء يجب ان يشعروا بحريتهم وانسانيتهم وكرامتهم، في رحاب الوطن. ولكي تكون هناك حرية وكرامة وانسانية في الوطن يجب أن نبحث عن صيغة تحقق لنا ذلك غير التعبير عن الأسى وشتم الحكام، صيغة تناسب كل بلد عربي تتحقق من خلالها الحرية والكرامة والإنسانية، وتتحقق مصلحة الحاكم والمحكوم معاً. ان ايجاد هذه الصيغة، وتجاوز الصيغ التي اثبتت عدم أو قلة فاعليتها، هو مسؤولية كل عاقل في هذا الوطن العربي. أما أولئك الذين يكتفون في مجالسهم بالحسرة والأسى وسب الحكام وشتمهم، فهم يعززون الواقع السيئ الذي يبكون عليه. ان ذلك يذكرني بأطباء القرون الوسطى، قبل اكتشاف الجراثيم. فقد كانوا يشرّحون الجثث، ثم يعالجون مرضاهم في المستشفيات، فيموت هؤلاء المرضى، فيبكون عليهم من دون أن يعرفوا انهم ساهموا في موت مرضاهم عندما نقلوا الجراثيم من الجثث اليهم. وعندما تقدم العلم والمعرفة واكتشفت الجراثيم، عرف الأطباء كيف يتفادون نقل هذه الجراثيم الى مرضاهم. اننا اليوم نتناقل الجراثيم الفكرية والنفسية التي تسبب ضعفنا وانحطاطنا، ثم نبكي على هذا الضعف والانحطاط. ان للانتقال بالمجتمعات من ضعف الى قوة قوانين سنناً نفسية وثقافية وتربوية واجتماعية وسياسية واقتصادية. وعندما نملأ مجالسنا وأحاديثنا ومناقشاتنا بتعلم هذه القوانين والعمل بها بدلاً من نقل الجراثيم الفكرية والنفسية. دمشق - الدكتور ياسر العيتي [email protected]