بحرب أو من دون حرب، ليس ثمة، حتى كتابة هذه السطور، في وسط المهلة التي منحها الرئيس الأميركي بوش ل"نظيره" العراقي صدام حسين، ما يشير الى ان أهل الأوسكار عازمون على إحداث أي تبديل في جدول أعمالهم. ومن المرجح أن توزيع جوائز "الأكاديمية" سيجرى في موعده تماماً، بعد يومين من الآن. وربما، وقد حمي الوطيس الى مستوى لا سابق له في تاريخ العالم الحديث، أن جزءاً من الخطابات التي ستلقى في المناسبة، سيتناول الرئيس بوش وحربه. ولئن كان من المتوقع ان يكون ثمة من بين المتكلمين، أو مباغتي الاحتفال بحضورهم غير المتوقع، من سيلقي باللائمة على سيد البيت الأبيض، لن يكون من المستبعد أن يجد هذا، في الأوساط الهوليوودية من يناصره. فالحال أن أهل الفن، مثل أهل أميركا، مثل أهل العالم كله، مقسومون على أنفسهم ازاء معركة محيّرة وازاء وضعية تجعل من حرب تشن على واحد من حكام العالم الأقل شعبية، منطقياً، في تاريخ النصف الثاني من القرن العشرين، حرباً غير شعبية. المهم في هذا كله ان صوت الحرب، اندلعت، أجلت، أو لم تندلع، سيطغى على صوت الفن في الاحتفال الذي سيقام بعد غد، وربما تضيع أبهته المعهودة وسط قرقعة السلاح. لكن هذا لن يغير من الترجيحات شيئاً. كل ما في الأمر ان الفرصة ستسنح لاعتراضات قد ترى في منح جائزة أفضل مخرج الى بيدرو ألمودوفار الاسباني، مكافأة لتحالف مدريد مع واشنطن، مع اننا نعرف ان صاحب "تكلم معها" من معارضي الحرب بشدة. وكذلك إذا فاز انكليزي أو استرالية بجائزة سيطلع من يقول: وهذه أيضاً مكافأة للحلفاء، ويمكننا ان نقول، منذ الآن، ان هذه التعليقات لن تكون صائبة، مثلها في هذا مثل الضجة التي أنحت قبل أسابيع باللائمة على أهل الأوسكار لأنهم لم يختاروا فيلم الفلسطيني ايليا سليمان "يد الهية" ليرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي. فاليوم وبعد ثلاثة أرباع القرن من أول دورة لتوزيع الأوسكارات بات يمكن القول إنه لئن خضعت هوليوود في توزيع جوائزها، أحياناً، لاعتبارات سياسية ظرفية، أو بدت على هذه الشاكلة، فإن الأمر ليس قاعدة، وليس كل اختيار يخبئ وراءه موقفاً ايديولوجياً... بالضرورة. منذ الآن إذن يمكن القول ان الفيلم الذي يُتكهن بأن يفوز بحصة الأسد، قد لا يكون في موضوعه من تلك الأفلام التي تبعث الرضا في نفس السلطة الأميركية، على رغم مقاييسه الهوليوودية الخالصة. ونعني به فيلم "شيكاغو" الذي اقتبسه روب مارشال عن مسرحية استعراضية وضعها أصلاً، الراحل بوب فوس، وعرضت في برودواي سنوات طويلة. صحيح ان العمل كوميدي موسيقي وهوليوودي بامتياز، لكنه في أعماقه يشكل ادانة واضحة للنظام القضائي الأميركي، مثله في هذا مثل فيلم لارس فون تراير "راقص في الظلام" الذي ينتمي مثله الى الكوميديا الموسيقية، لكنه يفوقه جمالاً وقوة وأداءً حتى. ومع هذا يبدو ان جائزة أفضل ممثلة ستذهب الى بطلته رينيه زلفيغير ولماذا ليس الى بطلته الأخرى كاترين زيتا جوز؟. ورينيه ثنافس على الجائزة نفسها سلمى حايك عن "فريدا" ونيكول كيدمان عن "الساعات" وديان لين عن "الخائنة" وأخيراً جوليان مور عن الميلودراما التي تعيدنا الى ستينات هوليوود "بعيداً عن الجنة". والحديث عن هذه المنافسة يجب ان يقودنا، أيضاً، الى الحديث عن الأفلام المنافسة ل"شيكاغو" حتى وان كان هذا الأخير هو الأكثر ترجيحاً. فهناك رائعة مارتن سكورسيزي الأخيرة "عصابات نيويورك" وهناك "الساعات" لستيفن دالدري عن فصل من حياة الكاتبة الانكليزية فرجينيا وولف ويجمع في بطولته ثلاثاً من عباقرة النساء الممثلات في عالم اليوم: ميريل ستريب وجوليان مور نفسها التي ترشح هنا مرتين مرة كأفضل ممثلة مساعدة عن "الساعات" وثانية كأفضل ممثلة كما ذكرنا. أما الفيلم الرابع الذي يخوض السباق فهو "سادة الخاتم: البرجان"، وهو الجزء الثاني من هذه الملحمة الفلسفية الغرائبية التي حققت، ولا تزال، نجاحات شعبية ونقدية مدهشة، وأخيراً "عازف البيانو" لرومان بولانسكي. اللافت ان كل هذه الأفلام متميزة، واثنان منها حققا نجاحات قبل أفلمتهما "شيكاغو" على المسرح و"سادة الخاتم" في النص الأدبي الشهير للانكليزي تولكاين. أما "عازف البيانو" فإنه يشاطر "الساعات" و"عصابات نيويورك" في كونه مأخوذاً عن حكاية حقيقية عاشها بطله عازف البيانو اليهودي، الذي اضطر للاختباء من أعين النازيين ردحاً. وهذا الفيلم نفسه فاز العام الفائت بالسعفة الذهبية لمهرجان كان. لفتة الى ألمودوفار بالنسبة الى "عازف البيانو" ليس الفيلم وحده من يدخل حلبة السباق: هناك أيضاً مخرجه رومان بولانسكي، الذي أقدم فيه على تحقيق فيلم جديد له في وطنه بولندا بعدما غاب عنه أكثر من ثلاثة عقود. وها هو الفيلم نفسه يعيده الى الواجهة في هوليوود بعد نبذها له قبل ربع قرن. ومن "عازف البيانو" أيضاً هناك بطله أدريان برودي، الذي حتى وان كان ينافس على جائزة أفضل ممثل، بعض كبار العمالقة مثل جاك نيكلسون فيلم "عن السيد شميت" ودانيال داي لويس الذي أدهش العالم كله حين عاد بعد غياب خمس سنين في دور بيلي الجزار في "عصابات نيويورك" ومايكل كين، الانكليزي الصاخب والمكتهل الذي أثبت في اعادة اخراج "الأميركي الهادئ" عن رواية غراهام غرين المعروفة، انه لا يزال في المقدمة، ولا يزال لديه كثير يقوله. وأخيراً هناك نيكولاس كايج الذي يمثل "الاقتباس" دورين يذكراننا الى حد بعيد بالدورين الرئيسيين، التوأمين في فيلم "الاختيار" ليوسف شاهين عن قصة لنجيب محفوظ. وبهذا نكون أيضاً عرفنا أسماء المرشحين الخمسة لجائزة أفضل مخرج: فهم، الى بولانسكي عازف البيانو وسكورسيزي عصابات نيويورك وروب مارشال عن "شيكاغو" وستيفن دالدري عن "الساعات". أما المفاجأة هنا فكانت ترشيح بدرو ألمودوفار في تصرف استثنائي، إذ نادراً ما رشح في هوليوود مخرج غير انكلوساكسوني لمثل هذه الجائزة. واللافت هنا ان ألمودوفار يبدو أكثر حظاً للفوز من أي زميل آخر له... حتى وإن كان ترشيحه هذا حرم فيلمه "تكلم معها" من أن يرشح لجائزة أفضل فيلم أجنبي، وهي الجائزة التي تتسابق عليها خمسة أفلام من المكسيك وألمانيا والصين وفنلندا وهولندا... والمحتمل حتى الآن انها ستذهب الى فيلم الفنلندي آكي كورسيماكي "رجل بلا ماض" الذي كان فاز بثاني أكبر الجوائز، بعد جائزة "عازف البيانو" في مهرجان كان السابق. أما فيلم "تكلم معها" فإنه مرشح أيضاً لجائزة أفضل سيناريو. الكبار في سباق الثانويين لكن "مفاجأة" ألمودوفار ليست الوحيدة بين غرائب أوسكارات هذا العام، ذلك ان ما يلفت النظر حقاً ويعتبر استثنائياً هو مكانة الممثلين المرشحين لجوائز أفضل ممثل وأفضل ممثلة ثانوية ونوعيتهم. فحينما يكون لدينا في الفئة الأولى إد هاريس وبول نيومان وكريستوفر والكن بين آخرين، وفي الفئة الثانية كاتي بيتس بطلة "ميزري" الرائعة قبل سنوات وجوليان مور وميريل ستريب وكاترين زيتا جونز، الى جانب "كوين لطيفة" يصبح من حق المرء ان يسأل عن الحدود الفاصلة بين الأدوار الأولى والأدوار الثانوية؟ وفي انتظار جواب عن هذا السؤال، لا بد من أن نذكر أن هذا ليس كل شيء، فالجوائز المتبقية عديدة والترشيحات كثيرة، من أفضل موسيقى الى أفضل فيلم تحريك الى أفضل أغنية وفيلم وثائقي وماكياج وتوليف وديكور وما الى ذلك. والحال اننا في هذه الفئات وغيرها، تكاد تطالعنا دائماً الأسماء نفسها، للأفلام الكبيرة التي حققت وشوهدت طوال الاثني عشر شهراً الماضية، وفيها "اكمشني ان استطعت" و"شيكاغو" و"بعيداً عن الجنة"، وحتى "بولنغ من أجل كولومباين" التوثيقي الأميركي الرائع الذي حققه مايكل مور ضد "المؤسسة الأميركية" و"تجار السلاح". ومنذ الآن يتوقع طبعاً، إذا فاز مور بالجائزة، ان يعتلي المنبر ليصب جام غضبه على الرئيس بوش وسياسته الحربية. ولكن من المؤكد في الوقت نفسه انه ستطلع أصوات تسكته، من قلب الصالة، ذلك أن أميركا الفنية، كما قلنا، مقسومة تماماً مثل أميركا الأخرى. وإذا كان لاحتفال الأوسكار أن يقول شيئاً فمن المؤكد انه سيقول لنا حجم هذا الانقسام ومداه. ويقيناً ان الإدارة الأميركية مهتمة بجس نبض هوليوود لهذه المناسبة.