الرئيس صدام حسين سبق القادة العرب الى قمة "الفرصة الأخيرة" في شرم الشيخ، وهو الغائب الحاضر بقوة، لأن كلمة واحدة تتعلق بمصيره ومصير نظامه، تكفي لتجنيب العراق ومعه المنطقة العربية برمتها شرور الحرب الأميركية وشظاياها: التنحي. لكثيرين من العرب، والعراقيين، تبدو تلك أمنية إذا قورنت، ليس بخلافات النظام مع الجيران وخصوماته مع المعارضين في الداخل والخارج فحسب، بل كذلك بالثمن الذي ستدفعه المنطقة مرغمة، على مدى سنوات مقبلة. تلك كانت المعضلة الكبرى أمام القمة العربية في شرم الشيخ أمس، وإن وجدت تعابيرها بأشكال مختلفة. لم تُدرج على جدول الأعمال، لأن البديهي عدم الانجرار الى تلبية مطالب واشنطن، واحداً تلو الآخر من دون سقف أعلى، كما قال الرئيس السوري بشار الأسد، ولأن تصويت القادة العرب على إقصاء احدهم، خارج بلده ونظامه، لمجرد ان إدارة الرئيس جورج بوش تلوح بسيف الحرب والأساطيل التي تحاصر الجميع مثلما تحاصر العراق، من مياه الخليج والبحر المتوسط، يخرق ميثاق جامعة الدول العربية ويقوّض أركانها، وما بقي من ارادتها. بل أيضاً لأن ذلك سيشكل سابقة، ليس في اطار السقف المفتوح للإذعان، كلما نادت واشنطن لتجاب، وانما الأهم لأن أحداً لا يملك معايير ولا حق الجزم باطاحة حاكم... ولو أُغري بكل ضمانات السلامة. الواقعية تقتضي أيضاً الاعتراف بأن رسالة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الى القمة، بما عرضته كمخرج للقيادة العراقية من ورطتها، انما تنصح باختيار أضعف الأثمان، ما دام الجميع في مركب واحد تحاصره هواجس بوش وتلهفه على نصر "كبير" في المنطقة، يرضي زمرة الحرب في ادارته. ويدرك رئيس دولة الامارات كما يعرف جميع القادة العرب، أن أميركا - بوش لن تتورع عن فعل أي شيء، ولو أحرج كثيرين من الأصدقاء والحلفاء، في سبيل ازاحة صدام، وأنها ستنجح في ذلك، ولو اضطرت لاستخدام القنبلة النووية لن تتردد... بادعاء الرد على قصف كيماوي أو بيولوجي عراقي، ولو كان الأمر مجرد ادعاء. كانت مبررة دعوة الرئيس السوري القادة العرب الى الامتناع عن تقديم تسهيلات لضرب العراق، لأن القنابل الأميركية ليست ذكية الى الحد الذي يمكنها من اصطياد بضعة أشخاص، والرأفة بالمدنيين في ذلك البلد، وهم عرب... ولأن الناس مهما بلغ الصمت والعجز، لن تخمد بركان الغضب، عبر بضع تظاهرات... ولأن الأهداف الأميركية في مثل هذه الحرب لا يمكن أن تكون نظيفة، بيضاء، لمجرد ادعاء الغيرة على موارد العراق وشعبه، وسوقه الى حدائق الديموقراطية من سجون القمع والحروب. وما ليس سراً، أن المأزق الآن ليس ورطة لصدام وحده - وهذا ما يدركه القادة العرب - بل "خطف" الرئيس الأميركي ليجعله أول أسرى الحرب... لا مناص منها إلا بالحل "السحري": تنحي الرئيس العراقي، أي استسلامه. ومن يتمعن في المبادرة الاماراتية، يعرف أن الفارق بينها وبين مطالب واشنطن التي اختصرها الوزير كولن باول ليضغط على القمة، بون شاسع، على الأقل لأنها تمزج بين تعريب المرحلة الانتقالية وتدويلها. وهي بهذا المعنى بعيدة عن الأمركة التي يريدها الثلاثي باول ودونالد رامسفيلد وكوندوليزا رايس، اميركية مئة في المئة: سيطرة على العراق من أقصاه الى أقصاه، بذريعة "تدريب" أهله على الديموقراطية، وحماية وحدته منهم، ومن معارضاتهم! وإذا قيل ان الرئيس بشار الأسد وضع الملح على الجرح، في افتتاح القمة، فالرئيس بوش كان أمس يحاصرها، حين اعتبر أن الضمان الوحيد لأمن الأميركيين هو نظام ديموقراطي في العراق، وليس فقط ازالة أسلحة الدمار الشامل. ولن يكفيه تدمير صواريخ "الصمود 2"، ولا أن يتعهد صدام ضمان أمن الجيش الأميركي في الكويت. شرم الشيخ، قمة "الفرصة الأخيرة"، للتداول عشية الحرب الحتمية. وبصرف النظر عن احتمال قبول القيادة العراقية مبادرة الشيخ زايد، وهو احتمال يكاد أن يكون نظرياً واحداً في المليون، ألا يستحق انقاذ العراق من الاحتلال ونيات دعاة الحسم العسكري، وانقاذ المنطقة من زلزال أميركي، التضحية بأقل الأثمان؟ من يذكرون التاريخ، لا يراهنون على الواحد في المليون.