أولاً وآخراً صدام حسين يجب ان يرحل. مع ذلك لا اتابع اخبار الحرب المقبلة الا وأشعر بأن جورج بوش وتوني بلير وخوسيه ماريا اثنار هم محور شر اسوأ من ثلاثي العراق وايران وكوريا الشمالية. الرئىس بوش يزعم "اننا نقاتل من اجل السلام ولحماية امن اميركا". وقد جعل من هذه العبارة المخالفة للحقيقة الى درجة ان تناقضها رأسياً شعاراً له. غير ان بوش، او غيره، لا يقاتل من اجل السلام وانما من اجل الحرب، فالقتال والسلام نقيضان والقتال والحرب صنوان. اما تهديد صدام حسين امن اميركا فمستحيل، لأنه لا يقدر، لا لأنه لا ينوي. مع ذلك تبدو النية اساسية في الحملة الاميركية، فقد قال الرئىس الاميركي مرة بعد مرة ان صدام قد يسلم اسلحة الدمار الشامل الى الارهابيين فيهددون امن اميركا. وهذا الكلام يعني ان الادارة الاميركية تريد ان تقاتل صدام حسين على نياته المستقبلية، كما تحددها هي، لا على شيء فعله. ويبقى خطاب الرئىس بوش اهم خبر في الثماني والاربعين ساعة الماضية، وقد قرأت في كل صحيفة اجنبية نشرت الخبر فات معظم الصحف العربية بسبب الوقت ان جورج بوش اعطى صدام حسين 48 ساعة ليترك العراق. هذا خطأ حتى وجورج بوش يقوله حرفياً، لأن لا مكان يذهب اليه صدام حسين لو اراد، وهو لا يريد، ثم انه لا يوجد بلد مستعد لاستقباله، فهو سيكون مطلوباً والبلد المضيف قد يتعرض لعقوبات اذا لم يسلمه. ولو كان بوش يريد من صدام حسين ان يغادر البلد فعلاً لكان حاول اصدار قرار من مجلس الأمن الدولي، فهو القرار الوحيد الذي يحميه من الملاحقة في المستقبل، وقد يشجعه على ترك البلاد. لولا ضيق هذه العجالة، لأخذت كل سطر او فقرة في خطاب جورج بوش وأثبتّ زيفها. والواقع ان صدام حسين كان يمكن ان يسوق التهم الواردة في الخطاب الى جورج بوش من دون ان يبتعد عن الحقيقة اكثر مما ابتعد الرئىس الاميركي. اختار نتفاً من الخطاب. بوش قال ان صدام حسين تحدى قرارات الأممالمتحدة التي تطالب العراق بنزع اسلحته. غير ان اسرائىل تحدت قرارات دولية اكثر عدداً بكثير. وكان يمكن ان تقول الولاياتالمتحدة ان الخطأ لا يبرر الخطأ، لولا انها مسؤولة عن خطأ اسرائىل اكثر من هذه الدولة اللقيط، فهي التي تمول جرائمها ضد الفلسطينيين وتشجعها بالفيتو في مجلس الأمن على ارتكاب مزيد من الجرائم، وتهبط الوقاحة الى اسفل درك، والولاياتالمتحدة، صاحبة الرقم القياسي في استعمال الفيتو، تحتج على فيتو يتيم من فرنسا لم يطرح. في مثل ما سبق وقاحة ان محور الشر في مجلس الأمن فشل في اصدار قرار جديد لاستعمال القوة العسكرية، فقال ان القرار السابق يكفي، مع ان القرار 1441 صيغ في شكل محدد لمنع استعماله في حرب، وقيل بوضوح عندما صدر ان الحرب تحتاج الى قرار جديد. بل ان جورج بوش قال في خطابه التاريخي بقلبه الحقائق ان قرارات 1990 و1991 تكفي للحرب، وجواب ذلك مثل يعرفه كل عربي هو ان التاجر المفلس يفتش في دفاتره القديمة. وتوقفت عند عبارة نستحق ان تدخل كتاب غينيس للأرقام القياسية في مدى كذب كل معنى ضمته، فالرئىس الاميركي قال ان للنظام العراقي تاريخاً في العدوان المتهور في الشرق الاوسط، وهو يكره الولاياتالمتحدة وأصدقاءها، وقد ساعد ودرَّب واحتضن ارهابيين بمن فيهم اعضاء في "القاعدة"، والخطر واضح وهو ان يستعمل ارهابيون اسلحة كيماوية وبيولوجية، او اسلحة نووية يوماً اذا حصلوا عليها بمساعدة العراق. كل ما سبق غير صحيح، او مبتور، فصدام حسين اعتدى عندما اعتقد انه شرطي الولاياتالمتحدة في الشرق الاوسط، او انها تشجعه. ولا اقول انها فعلت ولكن اقول انه اعتقد ذلك. وهو لم يستعمل اسلحة دمار شامل الا وهو حليف الولاياتالمتحدة، مرة اخرى بسبب خطأ تصوره ان العلاقة الاميركية رخصة للقتل. وصدام حسين لم يقم اي علاقة مع "القاعدة"، ولا يحتاج الى تهم جديدة تضاف الى جرائمه، كما انه لا يدرب ارهابيين لأنه يقوم بالمهمة بنفسه. ومنذ تحرير الكويت لم يتهم بشيء، ولم يثبت عليه شيء. عندما يحتوي خطاب قصير واحد على طن من الكذب لا يمكن ان نتوقع الخير. واذا اعتقد القارئ انني ابالغ، ما عليه الا ان يقرأ خطاب استقالة روبن كوك وزير شؤون البرلمان البريطاني، ليجد انه كرر ما اخاف منه، وربما في شكل ارقى وأكثر وضوحاً وموضوعية، من قولي ان العراق امام عدوان ثلاثي على طريقة 1956 ضد مصر.