أصدرت الحكومة الأردنية موازنتها لسنة 2003 والتي اعتبرت موازنة طوارئ تهدف الى تخفيف الخسائر الاقتصادية المحتملة التي قد تنجم في حال قيام حرب على العراق، بالإضافة الى تحفيز النمو الاقتصادي. ويقدّر أن يكون العبء المالي على الاقتصاد الأردني بسبب هذه الحرب نحو 1.5 بليون دولار على شكل فرص تصدير ضائعة، وفاتورة نفط مرتفعة، وتراجع النشاط الاقتصادي في قطاعات السياحة والنقل والاستثمار. قُدرت النفقات الإجمالية للموازنة العامة بحدود 2.441 بليون دينار 3.440 بليون دولار، أي بزيادة نسبتها 6.7 في المئة عن الأرقام الفعلية للنفقات لعام 2002 والتي كانت 2.289 بليون دينار 3.220 بليون دولار. وبقيت النفقات الجارية التي تمثل 79.4 في المئة من إجمالي النفقات، وتشمل أبواباً مثل الرواتب والأجور والعلاوات ونفقات التقاعد وفوائد القروض، في مستواها عند 1.939 بليون دينار 2.730 بليون دولار، بارتفاع 4.7 في المئة عن الأرقام الفعلية للعام الماضي. وعزت وزارة المال هذا الارتفاع في شكل رئيسي الى الزيادة في علاوات التقاعد والرواتب والأجور الناجمة عن التعيينات الجديدة في وزارات التربية والصحة والعدل. أما النفقات الرأسمالية التي تشكل 20.6 في المئة من إجمالي النفقات، فقد قُدرت في الموازنة عند 502 ملايين دينار 708 ملايين دولار، أي بزيادة نسبتها 14.9 في المئة عن المستوى الفعلي للعام الماضي، والذي كان في حدود 437 مليون دينار 616 مليون دولار. وقُدرت الإيرادات والمساعدات في موازنة هذا العام بنحو 2.125 بليون دينار 3 بلايين دولار، بارتفاع 4.7 في المئة عن الإيرادات الفعلية المقدرة لعام 2002 والتي جاءت في حدود 2.030 بليون دينار 2.860 بليون دولار. ويتوقع أن تزداد الايرادات الضريبية بنسبة 7.4 في المئة الى 1.074 بليون دينار 1.514 بليون دولار، بينما يقدّر ان ترتفع الايرادات غير الضرائبية بنسبة 1.6 في المئة، لتصل الى 690 مليون دينار 973 مليون دولار. كما يتوقع أن ترتفع المساعدات الخارجية بنسبة 16 في المئة لتصل الى 322 مليون دينار 454 مليون دولار، بسبب توقع ارتفاع الدعم الدولي للمملكة في حال قيام الحرب على العراق. وبهذا يصل العجز المقدّر في موازنة العام الجاري الى 316 مليون دينار 446 مليون دولار أو ما يمثل 4.3 في المئة من إجمالي الناتج المحلي المتوقع لعام 2003. وكانت الحكومة قدرت العجز في موازنة 2002 في حدود 193 مليون دينار 2.8 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. غير ان العجز الفعلي بلغ 259.2 مليون دينار، ليشكل ما نسبته 3.8 في المئة من الناتج المحلي بالمقارنة مع 224.3 مليون دينار العجز في عام 2001 وبنسبة 3.6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبذلك يصبح العجز المتوقع في موازنة 2003 أعلى من العجز الفعلي المتحقق لعام 2002 بنحو 22 في المئة، وذلك بسبب النمو الضعيف في الإيرادات المحلية لهذا العام بالاضافة الى الارتفاع في النفقات. وخصصت الحكومة مبلغ 475 مليون دينار 670 مليون دولار لخطة التحول الاقتصادي والاجتماعي العام الجاري. وحتى الآن، أمكن تأمين نحو 163 مليون دينار 230 مليون دولار من نفقات الخطة، منها 103 ملايين دينار 145 مليون دولار على شكل مساعدات أجنبية، و56 مليون دينار 79 مليون دولار مساعدات أجنبية لم تُصرف من موازنة عام 2002. وسيتم تمويل المبلغ المتبقي من مساعدات خارجية إضافية ومن جزء من إيرادات التخصيص. وكانت الحكومة أعلنت خطة التحول الاقتصادي والاجتماعي عام 2002 لمكافحة الفقر الذي يعاني منه نحو 30 في المئة من الأردنيين، والبطالة التي وصلت نسبتها الى نحو 15 في المئة من اليد العاملة. نمو حقيقي حقّق الأردن نمواً حقيقياً نسبته 5 في المئة عام 2002 بالمقارنة مع 4.2 في المئة في كل من العامين الماضيين. ولقد كان أداء معظم القطاعات الاقتصادية جيداً خلال العام الماضي، بمعدلات نمو راوحت بين 12 في المئة في قطاع التعدين، و11 في المئة في الزراعة، و6 في المئة في النقل والاتصالات. وكانت الإدارة الحكيمة للاقتصاد الأردني، سواء من الناحية النقدية أو المالية، والهبوط في أسعار الفوائد المحلية والعالمية، والنمو الكبير المتحقق في الصادرات، واستمرار نجاح الأردن في الاندماج بالاقتصاد العالمي، من الأسباب التي ساعدت على دعم الثقة في استقرار البلاد الاقتصادي والسياسي وإمكانات النمو المتوافرة محلياً. حل سريع ومع الافتراض أنه سيكون هناك حل سريع وحاسم للأزمة العراقية خلال الأشهر الأولى من السنة الجارية، فإن أحد مصادر عدم اليقين التي يعاني منها الأردن سيزول، وستستطيع المملكة ان تحقق النمو المستهدف لإجمالي الناتج المحلي الحقيقي والذي هو في حدود 5 في المئة. ومع انخفاض نسبة النمو السكاني إلى 2.8 في المئة، سجّل معدل دخل الفرد من إجمالي الناتج المحلي زيادة مضطردة مرتفعاً من 1208 دنانير 1703 دولارات عام 2001 الى 1270 ديناراً 1790 دولاراً العام الماضي. ويتوقع ان يصل الى 1335 ديناراً 1882 دولاراً العام الجاري. كذلك شهدت البلاد معدل تضخم منخفض لم يتعد 1.8 في المئة عام 2002، على أنه من المتوقع ان ترتفع نسبة التضخم هذا العام الى نحو 3 في المئة، وهو معدل لا يزال ضمن الحدود المقبولة. أداء جيد سجّل الأردن كذلك اداءً جيداً في موازنته الخارجية. فقد نما إجمالي الصادرات بما في ذلك الصادرات الوطنية وإعادة الصادرات بنحو 20 في المئة العام الماضي بالمقارنة مع نمو في الواردات لم يتعد 2 في المئة. وتبعاً لذلك، انخفض العجز في الميزان التجاري بنحو 15 في المئة وارتفع احتياط المملكة من العملات الأجنبية بنحو 35 في المئة ليصل بنهاية عام 2002 الى مستوى غير مسبوق هو 3.5 بليون دولار، تكفي لتغطية واردات المملكة لأكثر من تسعة أشهر. كذلك نجحت الحكومة في إعادة جدولة 1.5 بليون دولار من الديون الخارجية التي تستحق خلال الفترة 2002-2007. وارتفع إجمالي الدين العام من 6.121 بليون دينار 8.591 بليون دولار بنهاية 2001 الى 6.685 بليون دينار 9.425 بليون دولار بنهاية العام الماضي، ليشكل نسبة 98.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي. وجاء هذا الارتفاع نتيجة الزيادة في الاقتراض المحلي بهدف تمويل عجز الموازنة وبسبب ارتفاع تقييم الدين الخارجي للمملكة الناجم عن تراجع سعر صرف الدولار والدينار المرتبط به مقابل اليورو والين. وبلغ رصيد الدين الخارجي متضمناً سندات بريدي Braidy Bonds بنهاية عام 2002 نحو 5.350 مليون دينار 7.543 مليون دولار، أو ما نسبته 76.6 في المئة من إجمالي الدين القائم. ويتوقع ان تكون تحويلات المغتربين الأردنيين قد ارتفعت خلال العام الماضي الى 1.5 بليون دينار، كما يتوقع أن تسجل هذه التحويلات زيادة إضافية في حدود 6 في المئة العام الجاري. هناك نقطتا ضعف في موازنة هذا العام: الأولى هي ارتفاع العجز بنسبة 36 في المئة عن العام الماضي، بعكس الاتجاه الذي كان سائداً خلال عامي 2000 و2001، عندما سجّل هذا العجز تراجعاً واضحاً. ومن المتوقع ان يكون هناك المزيد من الارتفاع في عجز الموازنة هذا العام ليبلغ 316 مليون دينار 445 مليون دولار، أي بزيادة 22 في المئة عن العجز الفعلي لعام 2002. وكنسبة من إجمالي الناتج المحلي، من المقدر أن يبلغ عجز الموازنة العام الجاري 4.3 في المئة، بالمقارنة مع 3.8 في المئة عجز متحقق العام الماضي. والنقطة الثانية هي ان الزيادة في إجمالي الإنفاق لموازنة هذا العام كان سببها في الدرجة الأولى الارتفاع في النفقات الجارية الرواتب والأجور ونفقات التقاعد والفوائد على القروض. فبعدما ارتفعت النفقات الجارية الفعلية بنسبة 3.6 في المئة في عام 2002، يتوقع لها أن ترتفع بنسبة 4.7 في المئة في موازنة هذا العام. فلا بد إذن من وضع حد للزيادة في النفقات الجارية كخطوة أولى نحو خفضها مستقبلاً، وإلاّ فان الحكومة ستضطر إما إلى رفع الضرائب لتمويل العجز، أو الى زيادة الاقتراض وبالتالي زيادة حجم الدين العام. فمن الواضح ان الضرائب ليست هي الحل، لأن عبء الضرائب على المواطن الأردني العادي في الوقت الحاضر يُعتبر مرتفعاً. ومن ناحية اخرى، فإن حجم الدين العام يجب ألا يُسمح له بمزيد من الارتفاع لأن ذلك سيقود الى حلقة مفرغة من ارتفاع في خدمة الدين وزيادة في النفقات الجارية. الحل يكمن في وضع موضع التنفيذ خطة طويلة الأمد لإعادة هيكلة القطاع الحكومي والحد من زيادة التوظيف في القطاع العام. سعر صرف الدينار لقد تعالت بعض الأصوات أخيراً مطالبةً بإعادة النظر في ربط سعر صرف الدينار الأردني مقابل الدولار الأميركي، بعدما تراجع سعر صرف العملة الأميركية ازاء اليورو، وانعكس هذا سلباً على كلفة واردات الأردن من أوروبا وارتفاع الدين الخارجي عند تقويمه بالعملة الأميركية أو المحلية. نحن نخالف هذا الرأي لأن ثبات سعر صرف الدينار مقابل الدولار يعتبر مهماً جداً للحفاظ على ثقة المستثمرين والمدخرين على حد سواء. فالاستقرار النقدي هو جزء مهم من الاستقرار الاقتصادي الذي نعمت به البلاد خلال السنوات السابقة، كما ان المستثمر الأردني يقيّم موجوداته بالدولار وليس باليورو، وهو في الغالب لا يتأثر إذا تراجعت قيمة هذه الموجودات مع ارتفاع اليورو، ولكنه لا يتقبل انخفاضها مقوّمة بالدولار إذا تراجع سعر صرف الدينار مقابل العملة الأميركية. لقد ساعد ثبات أسعار صرف الدينار مقابل الدولار على تشجيع تدفق رؤوس الأموال وتحويلات العاملين في الخارج الى المملكة وزيادة المدخرات بالعملة المحلية. والمقولة بأن تخفيض سعر الصرف يجعل الصادرات أرخص في الأسواق العالمية لا تنطبق هنا، إذ ان معظم صادرات الأردن من فوسفات وبوتاس واسمنت وألبسة وأدوية وحديد وغيرها مقوّمة بالدولار، ولا تستفيد من تخفيض سعر الصرف. ومن ناحية الواردات، فإن ارتفاع اليورو أدى الى زيادة أسعار الواردات من أوروبا وبالتالي قلّص من تنافسية هذه الواردات في السوق المحلية بالمقارنة مع الواردات من دول عملتها مرتبطة بالدولار، مثل دول الخليج ودول جنوب شرقي آسيا إضافة الى ما هو منتج محلياً. * الرئيس التنفيذي. جوردانفست.