الزراعة هي عصب الحياة في شمال السودان. فقد ارتبط الإنسان النوبي، على مر التاريخ ومنذ القدم، بالنيل على شاكلة ارتباط الروح بالجسد. فأصبح النيل هو حياته ووجوده. فهنالك كثير من المشاريع الزراعية الأهلية والتعاونية، ما بين منطقة كجبار بالمحسن حتى القولد وجزيرة كومي جنوباً، وهنالك حوالى مليون فدان أرضاً زراعية خصبة تترامى أطرافها على ضفاف النيل ومزروعة كلها بالقمح والذرة والفول المصري. وثمة أكثر من أربعة ملايين شجرة نخيل وكثير من بساتين البرتقال والجوافة والكريب فروت والليمون. وظلت منطقة النوبة في شمال السودان غنية بآثارها وحضارتها في دنقلا العجوزة، وحضارة مروي في جبل البركل، وكريمة، والمناطق الأثرية في منطقة النقعة، والبجراوية، وعشرات القرى على ضفتي النيل العظيم. ونعمت منطقة النوبة، على مر السنين، بالاستقرار والأمن، بعيداً من الصراعات المركزية والقبلية والسياسية. ولكن حكومة الإنقاذ في السودان تريد أن تنقل اخفاقاتها الى هذه المنطقة الآمنة، وإشعال بؤرة جديدة من التوتر فيها. وتريد حكومة "الجبهة الإسلامية" تشريد من بقي من نوبيين أو دناقلة، وبعثرة كيانهم، وطمس هويتهم، ومحو تراثهم وحضارتهم، وذلك بسعيها لإنشاء خزان كجبار، شمال السودان، بمنطقة كجبار المحسن، من دون تقديم ضمانات وتعويضات لأهل المنطقة الذين سيفقدون أراضيهم، ومساكنهم، وممتلكاتهم، ليكونوا في عداد المشردين. وتبلغ سعة الخزان المزمع في منطقة كجبار المحسن 88،1 بليون متر مكعب. وهذه السعة كافية لتغمر كل المنطقة الواقعة جنوب السد، وحتى مدينة القولد وجزيرة كومي جنوباً، إضافة الى كل القرى والمدن على ضفتي النيل. وهذه المدن والقرى هي كجبار وجدي وفريق ودفوي ومشكيلة... وتبلغ 19 مدينة وقرية. والذين اعترضوا على قيام سد كجبار بالمحسن، من أهل المحسن، لم يسلموا من ملاحقة عناصر النظام لهم، والزج بهم في المعتقلات، وتعذيبهم، واتهامهم بالشيوعية، وموالاة المعارضة والمخربين. والحكومة مصرة على انشاء خزان كجبار، على رغم رفض أهل المنطقة، وإلحاق الخزان بمنطقة المحسن أضراراً بالغة لا تحمد عواقبها. السودان - محمد حسن عيسى صالح