اضطر مجلس الوزراء التركي الى تغيير جدول اعمال اجتماعه أول من أمس وحذف البند الخاص بمناقشة طلب واشنطن دخول 40 ألف جندي اميركي. وجاء ذلك بعد وصول المفاوضات التركية الاميركية حول اطار التعاون بين الجانبين الى طريق مسدود، وكان من المفترض ان يحيل اجتماع مجلس الوزراء الموضوع على البرلمان للتصويت على اذن بالسماح لدخول الجنود الاميركيين الثلثاء المقبل. لكن ازمة ثقة انفجرت بين الجانبين خلال المفاوضات التي يجريها وزيرا الخارجية والمال التركيان مع الادارة الاميركية والتي تتضمن تقديم مساعدات مالية وسياسية الى انقرة لتلافي خسائرها في حال وقوع الحرب والحفاظ على ما تقول تركيا انه مصالحها التراثية والثقافية والقومية في العراق. بعد رفض وزير الخارجية الاميركي كولن باول الطلب التركي الذي رفع سقف الدعم المالي المطلوب الى ما بين 14 و24 بليون دولار، نجح نظيره التركي يشار ياكيش في الحصول على لقاء خاطف مع الرئيس جورج بوش في محاولة لانقاذ الموقف، إلا أن الرئيس الاميركي رفض ايضاً رفع سقف المساعدات الى اكثر من اربعة بلاين دولار، وأصرّ باول على الحصول على اذن البرلمان التركي لدخول الجنود الاميركيين قبل التوقيع على اتفاق المساعدات المالية الذي سيحال بعد ذلك على الكونغرس للمصادقة عليه، فأصرّ ياكيش بدوره على توقيع الاتفاق اولاً ليصبح حجة في يد الحكومة تستطيع من خلاله الضغط على البرلمان ليوافق على تقديم الدعم العسكري للحرب الاميركية. وأكد ياكيش خلال مفاوضاته ان 90 في المئة من الشعب التركي يرفضون الحرب. وان على الادارة الاميركية مراعاة موقف حكومته، لكن بوش بقي على موقفه، مشيراً الى ان السفن التي تقل الجنود اصبحت قريبة من تركيا، ولا يستطيع تركهم ينتظرون الى ما بعد 18 الجاري. ويؤكد مقربون الى رئيس الوزراء التركي ان موقف الادارة الاميركية وضع حكومته في مأزق، خصوصاً بعد المعارضة الكبيرة التي ظهرت في مجلس الامن ضد اللجوء الى الحرب، اذ ان على حكومته ان تختار بين رفض التعاون مع واشنطن بعد كل ما تم قطعه من خطوات ومراحل على خلفية الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، ويعني ذلك تعريض مصالح تركيا الاقتصادية وعلاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن والقضية القبرصية للخطر، أو المضي في مغامرة خطيرة مع الحليف الاميركي ضد الرأي العام العالمي والتركي، وهذا ما يعني انتحار حزب العدالة والتنمية سياسياً. وكانت الحكومة تأمل في التوصل الى حل سلمي للأزمة العراقية يجنبها هذا الموقف الصعب، أو اقامة الحجة على العراق في مجلس الامن من خلال استصدار قرار جديد تتخذه ذريعة للمضي وراء الحليف الأميركي بعد الاتفاق معه على تعويضات مالية مجزية. إلا أن الموقف الحالي يضع حزب العدالة والتنمية على المحك، وقال عدد من نواب الحزب ان هذه المعطيات قد تؤدي الى انشقاق الحزب او تمرد نوابه اذا اصرت الحكومة على مصادقة البرلمان على دخول الجيش الاميركي. وأشار النواب الى ان الامل يبقى في ان تغيّر الادارة الأميركية موقفها وتوقع فوراً اتفاق التعاون المالي أو ان يصدر قرار جديد عن مجلس الأمن قبل الثلثاء، فيما تفكر الحكومة في تأجيل عرض الموضوع حالياً على البرلمان تفادياً لصدام داخلي في صفوف الحزب. الى ذلك تابع مسؤولو الخارجية التركية برئاسة دنيز بوبوك باشي مفاوضاتهم حول الوضع القانوني الذي سيلتزم به الجنود الاميركيون في حال سمح لهم بدخول الاراضي التركية، وترأس وفد الخارجية الاميركية لهذه المهمة السيدة ماريسا لينو التي اعربت مراراً عن انزعاجها من تشدد نظيرها التركي وعدم ابدائه مرونة في التفاوض الى درجة ان الادارة الاميركية كانت طلبت من انقرة تغيير الطاقم المفاوض. وعلى الصعيد الميداني انتهت اعمال تطوير وتجهيز قاعدة انجرليك الاطلسية وعادت الطائرات الاميركية الى تدريباتها المكثفة بعد انقطاع دام خمسة ايام تم خلالها تطوير بعض المدرجات ومد طرق جديدة لاستقبال اكبر عدد ممكن من الطائرات والمقاتلات التي قد تتمركز فيها في حال وقوع الحرب. وتم الانتهاء من تجهيز ثلاثة موانئ في مرسين واسكندرون وطاشوجو، واصبحت جاهزة لاستقبال آلاف الجنود ومعداتهم واسلحتهم. فيما شوهد موكب من 15 سيارة جيب يقودها جنود اميركيون تعبر الى شمال العراق عبر بوابة الخابور مساء الجمعة، وكان الموكب يحمل معدات وامتعة وبعض الاجهزة، متوجهاً الى المناطق التي يسيطر عليها الاكراد في شمال العراق لاجراء عمليات تحديث وتطوير لبعض المطارات الموجودة في المناطق الكردية. فيما ذكرت مصادر تركية ان واشنطن طلبت الاستعانة بمن كان يطلق عليهم حراس القرى وهم اكراد مسلحون استعان بهم الجيش التركي خلال حربه مع حزب العمال الكردستاني.