كشف مسؤولون عسكريون أميركيون أن صدام حسين قضى الشهور الثمانية التي أعقبت اطاحته من الحكم متنقلاً بين 20 إلى 30 منزلاً اعتبرهم آمنين في المنطقة الواقعة بين بغداد وتكريت في الشمال، حيث كانت شبكة ضيقة جداً من أقربائه يراوح عدد أفرادها بين 20 و25 شخصا تقدم اليه الملجأ وتزوده المعلومات عما يدور في كل أنحاء العراق وتحمل رسائله إلى خلايا المقاومة. ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس عن ضباط في الاستخبارات الأميركية أن مطاردة صدام اعتمدت منذ البداية على مراقبة جميع أفراد العائلات التي يتحدر منها حراسه الشخصيون ومرافقوه المؤتمنون جداً، على اعتبار أن لا مفر أمامه إلا الاعتماد عليهم في الفترة الحرجة التي أعقبت سقوط حكمه. وبالفعل قبض عليه في منزل ريفي في قرية الدور تعود ملكيته الى قيس نامق الذي تلقت عائلته قطعة أرض كبيرة كمنحة من صدام قبل اختياره العام 1991 ليصبح واحدا من حراس الرئيس الشخصيين. وكشف ضابط كبير في الفرقة التي نفذت اعتقال صدام أنها خلال الفترة الماضية نفذت إحدى عشر عملية دهم لمواقع تلقت معلومات عن وجوده فيها، لكنه نجح في الإفلات قبل وصولها بساعات قليلة، الأمر الذي أنعش الأمل لدى أفراد الفرقة وجعلهم يواصلون عملهم بلا كلل المرة تلو الأخرى. بل لاحظ قادة الفرقة أنه أخذ في الفترة الأخيرة قبل اعتقاله يتنقل من مكان إلى آخر كل أربع ساعات. وكشفت الصحيفة أن صدام كان يستعمل أسلوباً بدائياً جداً في نقل الرسائل شفويا إلى مجموعة من خلايا حزب "البعث" التي تقود حملة المقاومة المسلحة ضد قوات "التحالف" بقيادة الولاياتالمتحدة. وفضل طوال فترة اختفائه التنقل ليلاً برفقة عدد محدود جدا من المقربين، غالباً مشياً على الأقدام في الطرق الخلفية، مستعملاً في بعض الأحيان وسائل سير كانت تتغير من مرة الى اخرى أو بواسطة قارب صغير في نهر دجلة. وعاش حياة تقشف بلباس فلاحي بسيط، معتمداً في غذائه على قوالب الشوكولاتة والعسل والفواكه المعلبة. ووفقا للمسؤولين الأميركيين ما زالت تفاصيل الحياة التي عاشها صدام خلال هذه الفترة غير واضحة تماماً حتى الآن. ويجري تجميع تفاصيل الصورة الكاملة لها من مصادر عدة. ويتضح من المعلومات التي جمعت حتى الآن انه قضى من التاسع من نيسان أبريل االماضي يوم سقوط بغداد متجولاً في سيارة مرسيدس مصفحة كان يقودها ابنه قصي، وهما يحاولان ثني الجنود العراقيين الفارين من وجه القوات الأميركية المتقدمة وحملهم على مواصلة القتال، الأمر الذي يعطي تفسيرا للقصص التي رواها مواطنون عراقيون عديدون عن مشاهدتهم لصدام في أماكن مختلفة من العاصمة في ذلك اليوم. وظل صدام في بغداد خلال اليوم التالي لسقوط المدينة، فيما كان نجله عدي مع عدد من "فدائيي صدام" يجوبون شوارع المدينة في عملية تحد للقوات الأميركية التي أغارت عليهم في حي الأعظمية مساء اليوم التالي. لكن صدام ونجليه غادرا العاصمة في تلك الليلة متجهين شمالاً نحو محافظة صلاح الدين التي يبلغ عدد سكانها حوالى 3 ملايين نسمة. ونقلت الصحيفة عن المسؤولين الأميركيين أن الوثائق التي ضبطت في حوزة صدام ساعدت كثيرا القوات الأميركية في تنفيذ سلسلة من الاعتقالات في صفوف المقاومة العراقية، حيث حصلت من المعتقلين على معلومات وأسماء جديدة، زادت من حجم قائمة المطلوبين العراقيين التي تصل حاليا إلى تسعة آلاف إسم ممن لهم علاقة مباشرة في العمليات العسكرية.