يثير الرئيس جورج بوش جدلا سياسيا داخل الولاياتالمتحدة بتوجهه الى التقليل من حجم التهديد الذي صورته إدارته لأسلحة الدمار الشامل العراقية، وبرامج صدام حسين لإنتاجها بعد تشديده وأعضاء الإدارة لمدة طويلة على الخطر الذي تشكله هذه الأسلحة على الولاياتالمتحدة واتخاذ ذلك ذريعة لشن الحرب على العراق، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز". ونقلت الصحيفة عن السناتور الديموقراطي بوب غراهام أن بوش صور العراق انه مصدر تهديد خطير للولايات المتحدة في حين أن الأمر ليس كذلك، وعمل مع إدارته على رصد موازنات ضخمة للحرب بدلا من محاربة تنظيم "القاعدة"، وغيره من التنظيمات الإرهابية التي تشكل خطراً فعلياً ومنحها فرصة لتقوية نفسها ورص صفوفها. وأشار غراهام الى أن مصادقة الكونغرس على قرار بوش إعلان الحرب على العراق حظيت بالغالبية لأنه أكد شخصيا علمه بوجود أسلحة دمار شامل لدى العراق، وإلا فإن نتيجة التصويت كانت ستأتي على نحو مغاير. وكان بوش أعلن الثلثاء الماضي أنه توقف عن التمييز بين أسلحة الدمار الشامل الفعلية وبرامج إنتاجها، وقال في لقاء مع محطة تلفزيون "إيه بي سي" انه "لم يعد يرى فرقاً بين الاثنين". وكشفت أجوبة الرئيس عن الأسئلة التي وجهت اليه تراجعاً تدريجياً عن الطروحات السابقة، فبدلا من حديثه عن الخطر الحقيقي للأسلحة، قال: "مهما كان، فالعالم اليوم أفضل من دون صدام". ويعود تاريخ هذا التراجع إلى الربيع الماضي، عندما بدأ بوش الحديث عن فرضية أن صدام وزع أسلحته البيولوجية والكيماوية على عدد كبير جداً من الأماكن، ما يجعل العثور عليها مسألة مستحيلة. فيما بدأ عدد من الخبراء المرتبطين بالإدارة الحديث عن احتمال أن يكون صدام دمر أسلحة الدمار الشامل الموجودة لديه وأبقى سرا برامج الأسلحة والوسائل التي تمكنه من إنتاجها متى شاء. لكن بوش في تصريحاته الأخيرة قال بوضوح ان إسقاط حكم صدام مبرر من دون الحاجة الى العثور على الأسلحة. في حين لم تتوقف التقارير الواردة من فرق التفتيش في العراق عن تأكيد عدم عثورها على شيء، على رغم أن كبير المفتشين ديفيد كاي تحدث عن أدلة تشير إلى وجود برامج لمثل هذه الأسلحة. ويبدو أن بوش اكتفى بهذه النتيجة التي توصل إليها المفتشون معتبرا أن صدام "كان سيشكل خطرا، لو تمكن من الحصول على الأسلحة". وقال في اللقاء التلفزيوني "هذا ما أحاول أن أشرحه لكم. بعد 11 أيلول سبتمبر 2001 أصبحت التهديدات المحتملة مثلها مثل التهديدات الحقيقية، وتنبغي معالجتها، وها هي تمت بعد مرور 12 سنة على توجيه العالم إصبع الاتهام الى الرجل ووصفه بأنه خطير". وتجدر الإشارة إلى أن بوش لم يتردد لحظة قبل بدء الحرب على العراق في الحديث عن وجود أسلحة الدمار الشامل، ففي خطاب له العام الماضي قال: "العالم يتلكأ في مواجهة صدام في حين أننا نعلم بكل تأكيد وجود أسلحة خطيرة لديه، فهل ننتظره ليصبح أقوى ويطور أسلحة أكثر خطورة؟". لكنه في اللقاء التلفزيوني امتنع كليا عن القول انه يعلم بوجود أسلحة دمار شامل في العراق واكتفى بالإشارة إلى الأسلحة الكيماوية التي استعملها صدام ضد الأكراد في حلبجة. وزادت الصحيفة أن منتقدي الإدارة يرون أن هناك فارقاً كبيراً بين موقف بوش السابق من أسلحة العراق المحظورة وتصريحاته الأخيرة بهذا الخصوص. ووفقا لهؤلاء فإن حديث الإدارة عن وجود الأسلحة البيولوجية والكيماوية واحتمال استعمالها في القتال، إضافة إلى احتمال تمكين التنظيمات الإرهابية من الحصول عليها، بررا القيام بعمل عسكري، في حين لم يكن من السهل اتخاذ مثل هذا القرار لو جرى تصوير صدام أنه يسعى الى تطوير أسلحة من هذا النوع. وأشارت الصحيفة إلى أن بوش وأعضاء إدارته أدركوا خطورة الموقف الذي اتخذوه فتحدثوا منذ البداية عن أسباب أخرى لإعلان الحرب على العراق، مثل علاقة النظام العراقي بالتنظيمات الإرهابية، والرغبة في تحرير الشعب العراقي من الظلم، وضرورة مساعدة منطقة الشرق الأوسط على تبني الديموقراطية.