تجاهل الجميع الحديث عن الشغب المؤسف الذي اندلع في الاسماعيلية خلال مباراة الاسماعيلي ضد انيمبا النيجيري الجمعة الماضي في اياب نهائي دوري أبطال أفريقيا لكرة القدم وبعدها، وأهملوا ايضاً الاخطاء الفادحة التي ارتكبها الالماني ثيو بوكير المدير الفني للاسماعيلي وأدت الى توقف الفوز عند 1-صفر فقط، وأغفلوا تدني مستوى معظم نجوم "الدراويش" في أبرز مباريات الموسم. واقتصر التركيز من قبل الجميع على حكم المباراة ماييه ايدي الين من سيشيل، واتجهت إليه كل أصابع الاتهام بإفساد اللقاء وحرمان الاسماعيلي من فوز ضخم وكأس مضمونة ووصل البعض في شطوحهم الى الحديث عن مؤامرة من الاتحاد الافريقي ضد الاسماعيلي باختيار حكم سيشيل عمداً لإهداء الكأس الى انيمبا. وكتبت صحيفة يومية كبرى ان مسؤولي الفريق النيجيري إلتقوا قبل المباراة الحكم في اشارة واضحة الى إمكان تورط الطرفين في اتفاق مشبوه، وقال أحد نجوم الاسماعيلي الدوليين القدامى إن المؤامرة كانت واضحة ومحبوكة ضد الفريق المصري. نظرية المؤامرة هي الفكرة الاولى التي تقفز الى أذهان المسؤولين في معظم الاتحادات والأندية العربية بعد أي هزيمة كبرى، وإتهام الحكم هو المبرر الاقوى باستمرار وكأن الجميع في الاتحادات الدولية والقارية متفرغون للتآمر على الفرق العربية، أو أن الحكام متربصون على الأصعدة كلها بالأندية والمنتخبات العربية! وقبل الدخول في الأسباب الحقيقية والموضوعية لخسارة الاسماعيلي لكأس مضمونة أو تحليل الأسباب التي أدت إلى اندلاع الشغب المؤسف الذي أصاب الآلاف بالذعر، وحدد "احتجاز" الضيوف لأكثر من ساعة في غرفة ضيقة، لا بد من الاشارة الى ثلاث حقائق مؤكدة ومتوقعة أولها: أن مجلس إدارة الاسماعيلي وجد أخيراً الشجاعة للاعتراف بالخطأ والاعتذار الرسمي الى الاتحاد الافريقي عن الشغب وتأخير تسليم الكأس والميداليات، وثانيها: حتمية توقيع عقوبات عنيفة من الاتحاد القاري على الاسماعيلي، وثالثها: انحسار فرص مصر الضئيلة اصلاً، في تنظيم نهائيات كأس العالم 2010 بعدما أطل الشغب اللعين برأسه على العالم في المباراة الوحيدة التي شاهدها الجميع في القارات كلها من أرض مصر. وكم كان الكاميروني عيسى حياتو رئيس الاتحاد الافريقي ونائب رئيس الفيفا حزيناً عقب المباراة وبدا غير مصدق لما يحدث، وقال ل"الحياة": "ما حدث شتيمة في حق الروح الرياضية والكرة الافريقية عموماً والمصرية خصوصاً". لماذا الشغب؟ يتحمل المسؤولون في الاسماعيلي ومعهم الصحافيون الاقليميون من "المدينة الهادئة" الجزء الأكبر من الشحن الزائد والخاطئ للجماهير على محورين اولهما: التأكيد على ان الكأس مضمونة واللافتات التي ملأت شوارع المدينة اشارت للاحتفال بالفوز واللقب قبل أيام من المباراة. وجاءت الهزيمة في مجموع المباراتين وضياع اللقب بمثابة الصدمة غير المتوقعة او المقبولة، وانفجر رد الفعل بغضب عارم. وثانيهما: الحملة المدبرة من إدارة الاسماعيلي ضد اتحاد الكرة وتصوره كعدو او خصم للفريق، واعتمدت على عدم تأجيل مباراة الزمالك التي سبقت لقاء انيمبا في نيجيريا وخسرها الاسماعيلي في ملعبه بهدف وزاد الأمر سوءاً رفض الاتحاد السماح للاعبين حسني عبد ربه واحمد فتحي الانضمام الى صفوف الفريق في المباراة الاولى لمشاركتهما مع منتخب مصر في كأس العالم للشباب في الامارات. واستغلت ادارة الاسماعيلي نفوذها الاداري والمالي في تسيير الاعلام الرياضي في المدينة لتحقيق الغرض وتأليب الجماهير على الاتحاد وكان التركيز دائماً على مجاملته الدائمة للزمالك والاهلي وظلمه المتكرر للاسماعيلي. والحقيقة أن شغب جماهير المدينة ليس الاول من نوعه وسبق حدوثه في مناسبات عدة كان آخرها عند خسارة الفريق بهدف امام الاهلي في الدوري الماضي. ولم يتعرض الاسماعيلي لعقوبات رادعة من الاتحاد. أخطاء كثيرة لا خلاف أن حكم سيشيل لم يكن على مستوى المباراة، ولم يتمكن من ردع المحاولات الدائمة من لاعبي انيمبا لإضاعة الوقت وايقاف المباراة واستفزاز المنافسين، لكن اخطاء اللاعبين والمدرب بوكير هي التي حالت دون احراز الاهداف بوفرة. اذ اختار المدرب المدافع الاحتياطي معتصم سالم اساسياً على حساب محمد يونس من دون سبب، فظهر اللاعب ثغرة في التشكيلة لا سيما عند التمرير وبداية الهجمة. وشكل استبداله الغريب لمحمد حمص احسن عناصر الفريق والمباراة بعد 55 دقيقة صدمة للجماهير والخبراء، اذ حرمت التشكيلة من العنصر الوحيد المميز في التمرير وهدوء الاعصاب. وظل بوكير عاجزاً عن تعديل طريقة اللعب حتى النهاية على رغم وضوح خطة انيمبا في الضغط على الجناحين اسلام الشاطر وسيد معوض . ولأن الظروف السيئة تضافرت ضد الاسماعيلي، كان التدني الشديد في مستوى النجوم الدوليين عماد النحاس وعمرو فهيم واحمد فتحي ومحمد ابو جريشة والمالي تراوري والشاطر ومعوض علامة استفهام كبيرة. وهم اعتمدوا على الكرات الهوائية العالية التي سهلت من مهمة دفاع انيمبا. الهزيمة، وهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة. وضياع الكأس أمر وارد وكلاهما درس مهم يجب أن يستوعبه الجميع لئلا يتكرر الشغب الذي أساء لمصر وقلل فرصتها في تنظيم مونديال 2010.