"كوكب ميكي" مسرحية للكاتب والشاعر نبيل خلف، أخرجها ناصر عبدالمنعم وعرضت أخيراً في القاهرة، ومن ثم جابت بعض الأقطار العربية. وتخاطب المسرحية طفل الألفية الثالثة بمفرداته اللغوية الخاصة، وبلغة يعرفها ويفهمها في دعوة الى تنمية فكر ناقد وواعٍ لدى الطفل عبر تحرير العقل من أي سيطرة أو قوالب جاهزة تحد من إبداع الفرد أو تعوق خياله أو انطلاق إرادته الحرة. "كوكب ميكي" تتعدى مجرد كونها مسرحية للأطفال إلى عمل فني متكامل ومدهش يجذب الصغير والكبير، يخاطب العقل والوجدان في آن واحد، ويجمع في تناغم غير مفتعل بين المتعة والفائدة، يلعب فيه النص دوراً محركاً وفاعلاً ومفجراً للطاقات الإبداعية في التمثيل والإخراج والموسيقى والإضاءة وتصميم الرقصات. ويلعب دور البطولة الفنان أحمد راتب مجسداً شخصية ميكي ويخضع لسيطرته وهيمنته، فيرفض أي حركة أو سكينة أو همسة أو ضحكة من الأطفال من دون إذنه، ولا بد من أن يخضع الكل لقوانينه وشروطه فتظهر مجموعة من الأطفال يقودها الفنان شعبان حسين "الدكتور يونس" وابنته "سالمة" الفنانة الصاعدة رنا نبيل و"أميرة" أو الفنانة سوسن بدر ويقومون بثورة ضد ميكي رافضين سيطرته متطلعين إلى عالم يلعبون فيه دوراً مؤثراً وإلى صنع دمى بأيديهم تختلف عن "ميكي ماوس" يختارون شكلها واسمها ويعيشون حياة خاصة كما يختارونها لأنفسهم ويرفضون أن يضعهم ميكي في وادي "الخرس" ويصرون على أن يعيشوا في "وادي الموسيقى". ويقول مخرج العرض ناصر عبدالمنعم: "ابتعدت لسنوات عدة عن الإخراج لمسرح الطفل أو حتى مشاهدته إذ وجدت أن القائمين عليه ركنوا إلى مفاهيم وتصورات قديمة وساذجة وخاطئة عما يجب أن يكون عليه، إذ اعتقدوا أن هذا المسرح لا يعدو أن يكون درساً مباشراً وخطابياً لتلقينه عدداً من المواعظ والنصائح الجاهزة التي تفترض في الطفل السذاجة وربما البلاهة، ولكنني في كوكب ميكي مع الكاتب المبدع نبيل خلف وجدت نفسي أمام كتابة مغايرة ومختلفة عن كل ما يتم تقديمه على مسارحنا تحت زعم أنه مسرح للطفل، فهي كتابة تحترم الطفل وتخاطبه بما يستحقه، غير منعزلٍ عن الدوائر المحيطة به والتي تسهم في تكوينه وتنشئته أسرياً ومجتمعياً". ولفت إلى أن "كوكب ميكي" "ليست كتابة للطفل بالمعنى المحدود للمصطلح وإنما هي كتابة تحلم بواقع أقل ظلماً وقبحاً وأكثر جمالاً وعدلاً، ترنو بحماسة الى المستقبل وتدرك أنه سيغلق أبوابه في وجوه من لا يمتلكون المعرفة الذين أصابهم الجمود والثبات وعجزوا عن الالتحاق بالعصر بكل منجزاته". وعن دورها في المسرحية تقول الفنانة سوسن بدر ل"الحياة": "للمرة الأولى أشارك في عمل مسرحي للأطفال بترشيح من المؤلف والمخرج، وهي تجربة مهمة وثرية بالنسبة إليّ، لعبت فيها دور أميرة وهي شخصية إنسانية وسط دمى وكرتون ولعب يحركها ميكي بمفاتيحه، ولكنني تمسكت بإنسانيتي ورفضت التحول إلى لعبة أو دمية، بل شاركت الأطفال في ثورتهم ضد ميكي وحاولت أن أعيد زوجي بينوكيو إلى أصله الإنساني بعدما خضع إلى سيطرة ميكي. وعن فكرة الثورة على ميكي ماوس وهي شخصية محببة للأطفال في عالم الكرتون قالت بدر انه "لا يوجد أحد يكره ميكي ماوس، وهو صغير، ولكنه هنا يرمز الى السيطرة على العقول، قد تكون سيطرة الجشع أو المادة أو العلم المجرد. فنحن لا نرفض في الثورة على ميكي الثقافات الواردة وإنما نطالب بألا نأخذ الأمور بظواهرها من دون تفكير، وإنما ننتقي ما يرد إلينا ونطوعه لعاداتنا وتقاليدنا، وهو ما طرح في قالب مبهج بألوانه وموسيقاه وديكوراته، وأنا شخصياً استمتعت كثيراً بهذا العمل". وقال الفنان شعبان حسن الذي قاد الثورة ضد ميكي في شخصية الدكتور يونس إنه قدم مفهوماً مختلفاً للبطل الاسطوري في زمن العولمة، فالقائد في زمن العولمة أهم اسلحته العلم والحلم وامتلاك الشجاعة على القدرة والتحدي والمواجهة في ظل الإيمان بعدالة قضيته وثقته في النصر. وقال المؤلف نبيل خلف الذي كتب سابقاً "فراشة الأميرة الحمراء"، و"أرنب وعقرب وفيل" و"الأم الخشبية"، ل"الحياة" "ان عرض "كوكب ميكي" استرعى انتباه الأهل المصطحبين أطفالهم، وكانوا يسألونني بعد العرض قائلين: هل هذه حقاً مجرد مسرحية للأطفال؟! وكنت أجيبهم بأنني كتبت على النص عند تأليفه: "للفتيان والفتيات من سن 9 إلى 99 سنة"، إذ قصدت أنها تلائم كل من بدأ يدرك ويفكر من دون حدود عمرية في دعوة الى رفض أي نوع من السيطرة أو التحكم من الأقوى على من يظنه أضعف منه".