أمير الشرقية يستقبل السفير السوداني.. ومدير الجوازات    .. و«إغاثي الملك سلمان» يفتح التسجيل في برنامج «أمل» التطوعي للأشقاء في سورية    مركز التحكيم الرياضي السعودي ووزارة العدل يعتمدان المسار الإجرائي    إنتر وميلان.. صراع مثير في نهائي السوبر    محافظ الطائف يلتقي مدير الهلال الأحمر ويكرم المتميزين    "محمد آل خريص" فقيد التربية والتعليم في وادي الدواسر    الجوال يتصدّر مسببات حوادث الجوف    جازان تستضيف النسخة الأولى من معرض الكتاب 2025    قطاع ومستشفى بلّحمر يُفعّل "شتاء صحي" و"التغطية الصحية الشاملة"    هيئة الإحصاء تُطلق خدمة توفير البيانات الدقيقة    أمير الشرقية يستقبل سفير السودان ومدير الجوازات    من ياسمين دمشق إلى غاز روسيا !    جسر المحبة وليس جسر المساعدات    من طق الباب سمع الجواب !    بيع سمكة تونة ب266 ألف دولار    آفاقٍ اقتصاديةٍ فضائية    غارات الاحتلال تودي بحياة عشرات الفلسطينيين في غزة    ميزة من «واتساب» للتحكم بالملصقات المتحركة    التواصل الداخلي.. ركيزة الولاء المؤسسي    وزير الطاقة.. تحفيز مبتكر !    رالي داكار السعودية 2025 : "الراجحي" يبدأ مشوار الصدارة في فئة السيارات .. و"دانية عقيل" تخطف المركز الرابع    الأهلي متورط !    لماذا هذا الإسقاط والفوقية..؟!    في ختام الجولة ال15 من دوري" يلو".. أبها في ضيافة النجمة.. ونيوم يخشى الفيصلي الجريح    في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين.. الشباب والرائد يواجهان الفيحاء والجبلين    المنتخب بين المسؤولية والتبعات    1510 سجلات تجارية يوميا    الطقس يخفض جودة التمور ويرفع أسعارها    السفر في الشتاء.. تجربة هادئة بعيدًا عن الزحام    اختتام معرض «وطن بلا مخالف»    وحدات الأحوال المدنية المتنقلة تقدم خدماتها في (4) مواقع حول المملكة    مستويات تاريخية.. السعوديون يتجاوزون 3.99 مليون موظف    فقط.. لا أريد شيئاً!    مناسبات أفراح جازان ملتقيات شبابية    دعوة مفتوحة لاكتشاف جمال الربع الخالي    شتاء جازان يحتضن مواهب المستقبل مع أكاديمية روائع الموسيقية    من نجد إلى الشام    فنون شعبية    «سحر بحراوي: الجولة الثانية !»    أمير القصيم يوجه بسرعة إنجاز المشاريع    مفتاح الشفاء للقلب المتضرر    تقنية تفك تشفير الكلام    اليقطين يخفض مستوى الكوليسترول    المستشفيات بين التنظيم والوساطات    نادي جازان الأدبي ينظم ملتقى الشعر السادس    الملك وولي العهد يعزيان العاهل الأردني في وفاة ماجدة رعد    أمير تبوك ونائبه يواسيان أسرة الشيخ فهد الحمري    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    «دوريات المجاهدين» تقبض على شخص لترويجه مادة «الميثامفيتامين»    أمطار وبرد ورياح على 6 مناطق    «عون الحرم».. 46 ألف مستفيد من ذوي الإعاقة    أرض العُلا    الداخلية أكدت العقوبات المشددة.. ضبط 19541 مخالفًا لأنظمة الإقامة وأمن الحدود    انطلاق ملتقى دعاة «الشؤون الإسلامية» في نيجيريا    الكذب على النفس    «911» تلقى 2,606,195 اتصالاً في 12 شهراً    تأخر المرأة في الزواج.. هل هو مشكلة !    المرأة السعودية من التعليم إلى التمكين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



معارض دائمة وكتب تتناول ظاهرة الرسام ."حلاق بيكاسو" يكشف أسراره السياسية ... والحميمة
نشر في الحياة يوم 11 - 11 - 2003

لا يمر عام في فرنسا من دون العودة الى الفنان بيكاسو والاحتفال به. بل لا حاجة الى العودة إليه طالما انه لا يزال يشكّل منذ وفاته الى اليوم الحدث الفني بامتياز في العاصمة الفرنسية، أولاً بسبب النشاطات السنوية التي يقوم بها المتحف الذي يحمل اسمه في باريس، وثانياً بسبب الكتب الكثيرة التي لا تنفك تصدر عنه وبوتيرة مدهشة، وهو الذي كُتب عنه اكثر مما كُتب عن ميكائيل أنجلو وليوناردو دافنشي مجتمعَين. آخر النشاطات التي تتمحور حول الفنان الإسباني معرضان، الأول في "متحف بيكاسو" في باريس ويتضمن وللمرة الأولى الأرشيف الشخصي للفنان، والثاني عنوانه "بيكاسو الحميم في مجموعات جاكلين" الذي يكشف عن اعمال لبيكاسو كانت في حوزة زوجته جاكلين ومعظمها لم يعرض قبل اليوم. من جهة ثانية، ستطرح دار "سوثبيز" خلال ايام للبيع بالمزاد العلني، في نيويورك ولندن، مجموعة من اعمال بيكاسو الانطباعية.
وإلى المعارض والمزادات صدر كتاب جديد بعنوان "حلاق بيكاسو"، وعلى الغلاف الطريف صورة لرأس بيكاسو المجرّد كلياً من الشعر. يروي الكتاب الصادر مترجماً عن الألمانية عن دار "أكت سود" الباريسية قصة الصداقة التي جمعت الفنان بيكاسو بحلاّقه اوجينيو ارياس. ومن خلال حديث مطوّل مع الحلاق الإسباني انجزت الكتاب الصحافيتان الألمانيتان مونيكا زيرنان وماليسا مولار. اما الحلاق ارياس فكان مناضلاً ضد الفرنكيّة وجاء لاجئاً الى فرنسا حيث التقى بيكاسو ونشأت بينهما علاقة صداقة قوية. بدأت هذه العلاقة عام 1947 ولم تنته إلا مع موت الفنان في العام 1973. ومما يعبّر عن عمق هذه العلاقة الأعمال الفنية التي كان اهداها له بيكاسو، وكان معروفاً عن هذا الأخير ندرة عطائه في هذا المجال. والقطع الفنية التي احتفظ بها ارياس وبعضها منشور في الكتاب أنجزت بين الخمسينات والسبعينات من القرن الماضي وتتألف من رسوم ومحفورات وخزفيات وقطع فنية منفذة على الخشب ومن بينها لوحة تمثل وجه جاكلين وتحمل إهداء بيكاسو لأرياس. يضمّ الكتاب ايضاً عدداً من الصور الفوتوغرافية التي تمثل جلسات حلاقة ولقاءات مشتركة داخل منزل بيكاسو او امام حلبة لمصارعة الثيران.
صداقة اسبانية
يختصر ارياس علاقته ببيكاسو بقوله: "بين بيكاسو وبيني ما من حساب، كنتُ أهتم به بصورة مجانية بينما هو كان يقدّم لي وقتاً تلو آخر رسماً او محفورة او قطعة خزف. وما كنتُ لأجيئه فقط من اجل ان اقص شعره. غالباً ما كنت اقصده لكي نمضي معاً وقتاً من التسلية والمزاح. وهذا ما كان يعجبه كثيراً. وقال لي في إحدى المرات: تعال الى منزلي متى تشاء يا أرياس. كلما جئت الى هنا اشعر انني في إسبانيا". ويضيف ارياس مرة اخرى ان الجامع المشترك بينه وبين بيكاسو هو حب اسبانيا.
عبر القصص والحكايات الطريفة، يروي اوجينيو ارياس كيف نمت علاقة الصداقة بينه وبين اشهر فنان في القرن العشرين. وكانت علاقة صداقة حميمة مبنية على قاسم مشترك هو حب الوطن والدفاع عنه بإيمان عميق. حتى ان بيكاسو كان هو وزوجته جاكلين الشاهدين على زواج ارياس الذي يروي كيف ان الفنان الإسباني كان مأخوذاً بمصارعة الثيران ويتتبعها سنوياً في مدينة نيم او آرل في جنوب فرنسا. وكانت الأوقات التي يقضيها بيكاسو في متابعة هذه اللعبة والتمتع بها من اسعد أوقاته. وكان يشارك في الحفلات الليلية التي كانت تلي فوز "التوريرو" برفقة اصدقائه كوكتو وبراساي وسابرتييه وأقرب المقربين إليه، وأحياناً كانت اللعبة تنتهي بحادث مفجع للمصارع، ما كان يترك في نفسه شعوراً بالكآبة يدفعه الى الخوض في العمل ساعات طويلة تفادياً للسقوط في المرض النفسي.
وبحسب ارياس، كان الفنان شديد الارتباط بأصدقائه ومن زواره ميشال ليريس وسارتر وسيمون دوبوفوار وبول ايلوار وأندري مالرو... ومن خلال ما يرويه الحلاّق، يقترب القارئ من الحياة الحميمة لبيكاسو وتختفي صورته كإنسان متعال ومتبجّح لتحل محلها صورة الإنسان الاجتماعي والبشوش. وخلف هذه الصورة تتوارى التناقشات التي طالما تحدث عنها الكثيرون. ومن الأوجه الأساسية التي يركز عليها الكتاب ايضاً الوجه السياسي للفنان، لا سيما ان الخلفية التاريخية لهذه الصداقة تكشف عن نشاط سياسي وحركة غير منقطعة ميزتها انتماء الصديقين المشترك الى الحزب الشيوعي ودعم الجمهوريين الإسبان. ففي الوقت الذي كان ارياس مقاوماً في الحرب الأهلية الإسبانية، كان الفنان يموّل المقاومة ويساعد اللاجئين الإسبان على الحدود الفرنسية.
يتطرق الكتاب وللمرة الأولى الى النشاط الحركي والانتماء الشيوعي لبيكاسو. هذا الجانب لم يشر إليه كاتب سيرة حياته ريتشارد سون الذي ألمَّ بتفاصيل حياة الفنان منذ رحلته الثانية الى باريس عام 1901. وقد عرف عن بيكاسو انه كان فوضوياً ونعتته صحيفة اسبانية عام 1936 بأنه فنان ماركسي، وهذا ما تؤكده تحيته للحدث إثر فوز الجبهة الشعبية في فيفري عام 1936 بالانتخابات وكان معظم عناصرها من اليسار الإسباني من فوضويين وشيوعيين ويسار ليبرالي.
ولا يغيب الانتماء السياسي عن العمل الفني لبيكاسو، وهذا ما تكشف عنه لوحة "غرنيكا" التي رسمها سنة 1937 وهي اول علامة بارزة عبّر فيها الفنان عن موقفه السياسي، إذ جسدت همجية الحرب الأهلية وعبّرت في الوقت ذاته عن وقوف بيكاسو موقفاً صارماً ضد اسبانيا فرانكو وضد الفاشية وكل الأنظمة المضطهدة للشعوب في العالم. في السياق ذاته، تعود لوحة "الحرب والسلام" التي انجزها بيكاسو عام 1953 في فالوريس جنوب فرنسا لكنيسة هذه المدينة اعلاناً سياسياً عبّر فيه الفنان عن عقيدته وانتمائه السياسي. ومن المعروف ان بيكاسو انضم بعد تحرير باريس الى الحزب الشيوعي الفرنسي في 5 تشرين الأول اكتوبر 1944. وعلى رغم انخراطه الصريح لم تكن علاقته بالحزب سهلة فقد "كان اسم الفنان اكبر من اي حزب شيوعي في اوروبا" كما تقول احدى زوجاته دورا مار. وإضافة الى الشهرة التي كان يقدمها بيكاسو للحزب كان يدعمه مالياً وباستمرار وكان يعتبر نفسه اشهر ريشة وأقواها في الدفاع عن مبادئ الحزب. وظلت نظرة الفنان بيكاسو للشيوعية نظرة مثالية تحلم بعالم خال من الفقر المادي والروحي ومن الحروب والاضطهاد، وهو القائل "إني شيوعي لكي يكون الفقر أقل في العالم".
ولدت فكرة لوحة "الحرب والسلام" خلال مؤتمر حركة السلام في ايلول سبتمبر 1949 في مدينة نيس في جنوب فرنسا وهو الذي تولى رئاسته. حتى ان فكرة هذا المؤتمر هي في الأساس تجسيد لرغبة الفنان في إنشاء مكان يلتقي فيه الشباب الذين جاؤوا من كل جهات العالم، ولتدعيم ايحاءاته قرأ بيكاسو كتاب تولستوي "الحرب والسلام" وكان عمره آنذاك سبعين عاماً.
يتناول الكتاب ايضاً فترة الاحتلال الألماني لفرنسا مشيراً الى ان بقاء بيكاسو في باريس لم يكن نابعاً من شجاعة ولا من اجل مبدأ سياسي كما قد يفسره البعض، بل لأن بيكاسو كان يخشى السفر، كما كان في الوقت نفسه عبداً لعاداته وكان متمسكاً بأعماله التي وجدت لها ملجأ في الصناديق السرية للمصرف الوطني الفرنسي، تماماً كما فعل صديقه ماتيس آنذاك حتى تكون لوحاتهما في مأمن من اضرار الحرب.
في العام 1950 انضم بيكاسو الى موجة الرفض الواسعة التي نددت باستخدام الولايات المتحدة الأميركية الأسلحة الجرثومية في حربها ضد كوريا. وبالمناسبة عبّر الفنان عن رفضه سياسة اميركا آخذاً عليها خرقها حقوق الإنسان، وهذا ما دفع بالولايات المتحدة الى رفض دخوله اراضيها في ربيع 1950، وكان اسمه، على اي حال، مسجلاً لدى الاستخبارات الأميركية منذ انخراطه في الحزب الشيوعي. غير ان الفنان كان يحاول دائماً الامتناع عن الذهاب الى هذا البلد مختلقاً الأعذار والأسباب المختلفة. ولكن بعد سنوات بدأ الفنان في وضع مسافة بينه وبين الحزب الشيوعي، وبعد الانتقادات التي وجهها الى ستالين وبعد احداث هنغاريا سنة 1956 وتدخّل الجيش السوفياتي لقمع المتظاهرين.
الموت... بلا حب؟
ولئن كان الكتاب يركّز على الجانب السياسي في حياة بيكاسو، فإنه لا يهمل بعض جوانب حياته الشخصية، كأن يتحدث اوجينيو ارياس عن علاقة الفنان بالنساء وميله الى تعدد الزوجات: أولغا، دورا، ماري تيريز، فرنسواز، جاكلين روك، وجمع آخر من الصديقات. وكان من عادته التغيير الدائم في محيط حياته كجزء من عوامل حيوية وأساسية لأجل ابداع مستمر وهو القائل "إما أكره وإما أحب. عندما أحب امرأة فلا بد من ان تعبر لوحاتي وفني. العالم كله ينتقدني لكني الوحيد الذي يملك الشجاعة في عيش حياتي في ضوء النهار". ولكن وراء هذه المغامرات كان الفنان يلهث وراء الحب. ففي احدى المرات اسرّ بيكاسو الى زوجته فرنسواز جيلو قائلاً: "اخشى ان اموت يوماً من غير ان أكون قد احببت حقاً"...
من جهة ثانية يعبّر الكتاب عن خشية بيكاسو من الموت. هذا الشعور الذي رافقه منذ طفولته وخصوصاً بعد ان فقد اخته. وكان يطلب من افراد عائلته، وبحسب تقليد اندلسي قبل كل سفر، المثول دقائق قليلة في صمت تام كأنها لحظة صلاة، وذلك لضمان سلامتهم اثناء السفر. اما بيكاسو فكان له تقليد يومي، إذ كان يذكر اربعين او خمسين اسماً من اسماء اصدقائه قبل النوم. وفي إحدى المرات نسي الفنان ذكر اسم احد الأصدقاء. وفي الغد سمع بوفاته فشعر بالذنب تجاه صديقه ولفترة طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.