بدعوة كريمة من قناة "المنار" اللبنانية حضرت الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للإعلام العربي الإسلامي لدعم الشعب الفلسطيني من 17 إلى 19 ايلول سبتمبر 2003. وكان الهدف من المؤتمر تدارس ما يمكن للإعلاميين العرب أن يقدموه في الظروف الحالكة التي يمر بها الشعب الفلسطيني. ويتضح من عنوان المؤتمر أن القائمين على تنظيم المؤتمر يؤمنون بأهمية الإعلام كأداة فاعلة في المواجهة المحتدمة مع الإسرائيليين. وهو الأمر الذي ينعكس، أساساً في إطلاق قناة "المنار" ذاتها. وفي مقابل ذلك يبدو أن كثيرين ممن حضروا المؤتمر، من الإعلاميين العرب والمسلمين، لم تكن لديهم القناعة نفسها. وفي الحقيقة فإنه يمكن إرجاع عدم قناعة هؤلاء بأهمية الإعلام في مواجهة العدو الإسرائيلي إلى تشككهم في ما يمكن أن يقدموه للقضية الفلسطينية من طريق أقلامهم، وفي قدرتهم على القيام بما يجب عليهم القيام به في ظل ثورة المعلومات وأهمية الكلمة والمعلومة والصورة. فالواضح أن معظم الإعلاميين لا يؤمنون إلا بالمقاومة. وتحاور المجتمعون على خلفية أن الإعلامي، وهم يقصدون المراسل الصحافي أو التلفزيوني، يجب ألا يكون محايداً، بل إن عليه أن يتماهى مع ما يشاهده وينقله. فكيف يمكن من وجهة نظرهم أن يتخلص مراسل عربي، أو يتجرد من مشاعره تجاه ما ينقل؟ ولعل تلك النقطة تنقلنا إلى الصدمة الحقيقية التي قد يصاب بها متابع المؤتمر وهي أن خطورة الموقف، وأهمية القضية المطروحة للنقاش، لم يقضيا على واحدة من أهم آفات المؤتمرات العربية، وهي مناقشة القضايا كافة بأفكار معلبة سابقة منذ عقود، وقدرة لا مثيل لها على تحويل أي قضية تتعلق بالصراع العربي - الإسرائيلي إلى قضية الصهيونية، وكيف تكونت، ومخاطرها، وشجب قضايا التطبيع والتسوية، وإثبات المواقف الثابتة أصلاً لتأكيد السير على العهد. فعلى رغم ان المؤتمر يعقد في عام 2003 في ظل ثورة المعلومات وسرعة التغيرات في العالم، يشعر مراقب المؤتمر أنه شاهده من قبل مرات، بالعبارات والشعارات نفسها، كأنه فيلم عربي قديم لا يمله المشاهدون. وذلك في تعبير شديد البلاغة عن الآفة الثانية، وهي مناقشة القضايا التي قتلت بحثاً. أما في ما يتعلق بمسألة حياد المراسل، وعلى رغم أنها لم تكن ضمن قضايا النقاش فلم يتطرق إليها، وهي من القضايا المحسومة التي تتعلق بحرفية المهنة الإعلامية. ولكن المشكلة تنبع من عدم إيمان بعضهم بمسألة التخصص. فتاهت الفروق بين المراسل والمحلل، وبات السؤال الملح عما إذا كان المراسل يحلل ما يراه، ولا ينقله كما يحدث، وينتقي ما ينقل. فلماذا هو هناك؟ إن مشكلة الإعلام العربي الحقيقية أنه لم يعد قادراً على نقل معلومات، أو على الأقل غير متحمس لهذا النوع من الإعلام إعلام المعلومات لا التحليلات والانطباعات الشخصية. ولعل ذلك واحد من أهم أسباب عزوف المشاهدين والمتخصصين العرب عن وسائل الإعلام العربية. وجاء البيان الختامي للمؤتمر شديد العمومية، مراعياً حساسيات واعتبارات سياسية كثيرة، وكأنه صادر عن مؤتمر سياسي لمسؤولين سياسيين تكبلهم الاعتبارات السياسية. القاهرة - صبحي عسيلة