سيدير المخرج البريطاني ريدلي سكوت صاحب "هانيبال" و"المصارع" معاركه الملحمية في ستوديوات مدينة ورزازات المغربية وجبالها وصحرائها. شريطه الجديد "مملكة الفردوس" عن صلاح الدين الأيوبي سيستثمر 150 مليون دولار في المغرب. كان هذا من أهم أخبار السينما قبيل افتتاح مهرجان مراكش السينمائي الدولي أول من أمس، والمهرجان كرّم سكوت على جهده الفني. لكن التكريم يمتد ايضاً الى المخرج الاميركي اوليفر ستون، وبالأخص الى الممثل الفرنسي آلان ديلون، والممثلة المصرية يسرا، والممثلة المغربية أمينة رشيد... وعشية الافتتاح هدأ أوار معركة اخرى كانت دائرة بين أهل صناعة السينما المغاربة وإدارة المهرجان الذي يحظى برعاية ملكية كاملة. كانت الغلبة للفريق الأول الذي قاطع دورتين سابقتين للمهرجان ووجّه الى أهله كل انواع الاتهامات والانتقادات. وهذا الانتصار لوطنية مهرجان آخذ في "ابتلاع" فعاليات مشابهة آخرها مهرجان تطوان العريق الذي قطعت إمداداته وموارده بتبريرات مضحكة، تكلل باضفاء طيف سينمائي مغربي. فبعيداً عن صخب الاحتفالات السياحية التي برعت تلك الإدارة في اسباغها على الأيام الستة على أساس أن سحر مراكش لا يستقيم إلا بزيادة عدد الفرق الغنائية الشعبية و"صولات" المآكل وبذخ الدعوات التي عابها العام الماضي المخرج الاسباني بيدرو ألمودفار وشقيقه المنتج النافذ اللذان قاطعا المهرجان سياسياً، فإن هذه الدورة عادت إلى امتيازها المغربي. صحيح أن قلب هذا المهرجان يقع في باريس، وان مخططي برمجته موظفون في مكاتب قطب الانتاج السينمائي الفرنسي مؤسس المهرجان دانيال توسكان دي بلانتيه الذي غاب بداية هذا العام وورثت زوجته ماليتا المهمة قائلة إن "قبولي الاستمرار في القيام بعمله في إدارة هذا المهرجان تعبير عن رغبتي في اتمام مشروعه ومواصلته وتخليده"، ما يعني أن هناك ضمانات رسمية مغربية في ابقاء "الخلافة السينمائية" بين جدران الشركة العملاقة "يوني فرانس" التي رأسها المنتج الراحل وأدار شؤونها بدأب. صحيح أيضاً ان الطابع المتأورب في تنظيم أيام سينمائية كثيرة في عدد نجومها وضيوفها وقليلة في عدد خياراتها السينمائية اللافتة على الأقل في العامين الماضيين، فإن الرضوخ لتكريس "هوية مغربية" يعد انقلاباً في مفهوم عالميته، التي عنت أولاً وأخيراً جذب الرساميل العالمية واستثماراتها في استوديوات ورزازات بشكل اساسي، وأرض المغرب عموماً، مثلما يريدها المسؤولون المغاربة على شاكلة شريط المخرج الفرنسي كلود لولوش "والآن سيداتي سادتي" الذي فُسح له المجال للتجوال في عموم المغرب محتفياً بطابعه السياحي، وان اصر على اغفال اهله واستنكف مقاربة حياتهم وإرثهم وثقافتهم. "الاستثناء المغربي" كما نعته احد الظرفاء كمقابل لمصطلح "الاستثناء الفرنسي" الشهير، تمثل في عرض 5 أفلام طويلة و4 أفلام قصيرة، ابرزها "الف شهر" للمخرج فوزي بنسعيدي عرض في الافتتاح، وشريط سعيد نصري "اللصوص"، وفيلم نرجس نجار عن "انتفاضة نسوية". هناك ندوتان اساسيتان ستناقشان شأنين سينمائيين مغربيين: الأولى عن "السينما في المغرب وعلاقتها بالسوق، والاخرى "التصوير في المغرب". واذا كانت الأولى تضع أصبعها على جرح انتاج وتوزيع الشريط المغربي الذي لا يجد منافذ حقيقية سوى المهرجانات الدولية، و"اغواء" المنتج الأوروبي في دعم الانتاج المشترك وهو في غالبيته تابع الى النظام الفرنسي، فإن الثانية تشكل الملمح الاساسي للهاجس المغربي في استقطاب المال العالمي، وبالذات الاميركي هوليوود للقدوم الى أرض المملكة لتحريك سوق استثماري، أصيب في الآونة الأخيرة بضربة موجعة اثر التفجيرات التي حدثت في الدار البيضاء وأدت الى هروب واحد من اكبر الاستثمارات شريط الاسترالي باز ليرمان عن الاسكندر الاكبر. ضرر الارهاب، في حال استمراره، سيعطل عشرات المشاريع التي نجح اندره ازولاي مستشار الملك محمد السادس في الاتيان بها الى بلاده، وتبدو لوعة الرهان واضحة في كلمات المدير العام للمركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل الذي عبر عن هذه المخاوف بقوله "تنظيم هذه الدورة في مرحلة خاصة، فثمة الآن احداث 16 ايار مايو 2003 المأسوية. لقد ضربت القوى الظلامية. ان السينما، فضاء الرجال والنساء الاحرار والمتساوين، يجب ان تظل الحصن المثالي المبني على الخيال والامل، ليقي الانسانية من شياطينها"...