وقفت يوم عمل كاملاً على دراسة تقرير بعنوان "تغيير الأفكار وكسب السلام" أعدّه فريق من الخبراء لوزارة الخارجية الأميركية برئاسة ادوارد دجيرجيان، السفير السابق، وعضوية خبراء وباحثين في الشؤون العربية والإسلامية. قرأت مع التقرير أخبار الصحف الأميركية عنه ودراسة لروبرت ساتلوف، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، ووجدت في النهاية انني أستطيع ان ألخص صفحات التقرير الثمانين، ومثل نصفها من الأخبار والتعليقات عنه، ببضع كلمات هي ان المشكلة الأساسية للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط الانحياز الكامل لاسرائيل ضد الفلسطينيين، ما يجعل واشنطن شريكة في جرائم حكومة شارون. وثمة مشكلات أخرى، الا ان الصراع العربي - الاسرائىلي هو الأساس، وأي حديث آخر سيعني الكذب على النفس والآخرين، واستمرار العداء للولايات المتحدة بين العرب والمسلمين على رغم القيم المشتركة التي يتحدث عنها التقرير بوضوح، ويقول بصدق ان الشك في هذه القيم سببه ما يرى العرب والمسلمون من ممارسات السياسة الأميركية ضدّهم. السياسة الأميركية خطفها نحو 12 مسؤولاً، وربما كانوا جميعاً باستثناء واحد أو اثنين، غير منتخبين وسخروها لخدمة اسرائيل ضد المصالح الأميركية، وعلى حساب العرب والمسلمين. غير انني أريد ان أبقى مع التقرير فهو في الصفحة الأولى من فصله الأول، يشير الى ان استطلاعات الرأي العام أظهرت ان معظم الاستياء من الولاياتالمتحدة سببه النزاع العربي - الاسرائىلي الذي يبقى نقطة ظاهرة ومحورية. والنتيجة كما وجدها الخبراء الذين أعدوا التقرير ان العداء للولايات المتحدة بلغ معدلات مخيفة. فاستطلاع ما قبل الحرب على العراق في المملكة العربية السعودية والأردن وقطر، وهي دول حليفة للولايات المتحدة، أظهر ان ثلثي شعوبها تعتقد ان الولاياتالمتحدة خطر أكبر عليها من صدام حسين، ونظر اثنان في المئة فقط من مسلمي بريطانيا ايجاباً الى الولاياتالمتحدة. أما مؤسسة غالوب فقد وجدت ان 15 في المئة من مواطني أندونيسيا، وهي أكبر بلد إسلامي، ينظرون ايجاباً الى الولاياتالمتحدة الآن، مقابل 61 في المئة سنة 2002، وأن في تركيا، وهي بلد علماني وحليف للولايات المتحدة وعضو في "ناتو"، هبطت نسبة النظرة الايجابية الى الولاياتالمتحدة من 52 في المئة قبل ثلاث سنوات الى 15 في المئة هذه السنة. ولم ينظر ايجاباً الى الولاياتالمتحدة في مصر سوى ستة في المئة من المواطنين. التقرير يشكو من عدم ايصال حقيقة السياسة الأميركية الى العرب والمسلمين، وهي حل النزاع العربي - الاسرائىلي وقضيتي كشمير والصحراء الغربية سلماً، وبسط السلام في أفغانستانوالعراق، والتعاون الأمني الاقليمي وغير ذلك. ويقول التقرير: "العرب والمسلمون يؤيدون قيمنا ولكن يشعرون بأن سياستنا لا تمثل هذه القيم". هذه هي المشكلة، فالسياسة الأميركية تؤيد الجرائم الاسرائىلية بسلاح أميركي ضد الفلسطينيين كل يوم، وتشنّ حرباً على العراق بسبب أسلحة غير موجودة، وتعمى عن أسلحة الدمار الشامل في اسرائىل، ثم تهدد ايران أو أي بلد عربي أو إسلامي تشك أدنى شك في انه يحاول امتلاك أسلحة نووية أو كيماوية. الخبراء الذين أعدوا التقرير، لا يملكون ان يقترحوا تغيير السياسة الأميركية المختلة، وإنما هم يقدمون اقتراحات عملية لتحسين عرض هذه السياسة وكسب الاصدقاء لها. ومع تقديري لخبرة دجيرجيان وكريس روس وآخرين وموضوعيتهم، فإنني أقول ان سمعة الولاياتالمتحدة بين العرب والمسلمين لن تتحسّن، حتى تتحسّن أفعالها، فالسياسة العامة التي تشغل التقرير كله هي "بروباغاندا" باسم آخر مخفف لسياسة معادية للعرب والمسلمين. "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" كتبتا أخباراً دقيقة وموضوعية عن التقرير، غير ان روبرت ساتلوف عكس تفكير أنصار اسرائيل الذين يحاولون التستر على جرائمها ما يشجع أمثال شارون على ارتكاب مزيد من الجرائم. وساتلوف وجد بين نقاط الضعف الأساسية في التقرير سكوته على "الراديكالية الإسلامية وتحديها المصالح الأميركية في المنطقة". كيف يمكن لبضع كلمات ان تحمل هذا القدر من الكذب؟ اذا كان من نقطة ضعف أساسية للتقرير، فهي إشارته الى النزاع مع اسرائيل من دون ان يؤكد انه السبب الأول والأخير للعداء للسياسة الأميركية. ثم ان ما يهدد المصالح الأميركية هو تأييد الولاياتالمتحدة اسرائيل، فهذا التأييد هو وراء الراديكالية الإسلامية التي لم تكن قائمة عندما كانت السياسة الأميركية حرّة من المؤثرات الاسرائىلية، وربما تصاعدت في شكل موازٍ لازدياد التأييد لاسرائيل، بفضل مسؤولين غير منتخبين خطفوا السياسة الأميركية، واعتذاريين من أمثال ساتلوف يتسترون عليهم. واذا كان لي ان أرفق عبارة ساتلوف بتعليق اضافي فهو السكوت عن جرائم اسرائيل، لا أي سكوت في التقرير، هو السبب الأول لمشكلات الولاياتالمتحدة مع العرب والمسلمين، والسبب الذي أطلق كل سبب آخر. التقرير الذي أعده فريق دجيرجيان جيّد وموضوعي، وغير مفيد، فالمطلوب تغيير السياسة الأميركية المنحازة والظالمة، لا الضحك علينا وتغيير عقولنا لنقبل هذه السياسة كما هي.