ليست المكابرة الأميركية في مواجهة الصعوبات في العراق مجرّد عناد شخصي أو تجاهل مقصود لهذه الصعوبات. فالمشروع نفسه يقتضي كل ذلك. وليست العنجهية، أو قلة ادراك الوقائع هي التي تدفع واشنطن الى رفض النصائح، والى اسداء عكسها تماماً للآخرين والى تأكيد أنها لن تتراجع ولن تنكفئ بسبب الهجمات التي تحصل ضدها في العراق. انه المشروع نفسه الذي من أجله سبق ان زيّفت تقارير استخباراتية وبنيت استراتيجية إعلامية تواكب الاستراتيجية السياسية والعسكرية، لاقناع الرأي العام الأميركي بالاصطفاف وراء ادارته في حروبها الاستباقية للمخاطر الممكنة لا الماثلة على الولاياتالمتحدة، ما وراء البحار، وهي القناعة التي ترسخت لدى الأميركيين بعد اعتداءات 11 أيلول سبتمبر على نيويوركوواشنطن. ان الاكتفاء بالتعليق على قول الرئيس الأميركي جورج بوش "ان الارهابيين يريدوننا ان نغادر العراق ولن نغادر..."، باعتباره رفضاً للاعتراف بالصعوبات أو تعالياً على الخسائر الناجمة عن سياسة غير ناجحة، هو تجزئة للأمور وليس استنتاجاً كافياً يتيح استقراء المستقبل. فالأشهر الماضية أثبتت ان ما يسمى مأزقاً لقوة احتلال، بالعرف السائد، هو مبرر لتلك الادارة كي تواصل سياسة مقررة سلفاً: الآحادية في قيادة العالم، استخدام التفوّق العسكري الهائل من دون رادع وتغيير الأنظمة السياسية مهما كانت صديقة، وصولاً الى تعديل في الثقافة والموروثات الدينية للإسلام. والمنطق يقول في هذه الحال ان التشدد الأميركي في مواجهة الصعوبات، ليس مجرد "هروب الى الأمام" كما درجت الخطابات العربية ان تقول. إنه في صلب المشروع المعلن والمكتوب في نص رسمي، في "عقيدة بوش" قبل سنة ونيف، وفي كل الكلام الذي يقوله المحافظون الجدد. يصبح ما نراه نحن "تعثراً" في المشروع، "مبرراً" عند أصحابه من أجل مواصلة خطواته: مزيد من الحروب والمواجهات والتغييرات العنيفة قابلة لأن تحصل اذا لم تحل الضغوط السياسية من أجل تحقيق الأهداف المرسومة، دونها. هذا ما يدفع ليبراليين أميركيين أخذوا يرفعون الصوت في واشنطن الى القول ان ليست المقاومة العراقية هي التي ستهزم بوش في العراق، ولا عمليات المجاهدين في أميركا نفسها على شاكلة اعتداءات 11 سبتمبر، بل ان الذي يمكن ان يهزم بوش هو بوش نفسه، عبر تراكم الأخطاء التي يرتكبها في صوغ سياسته الامبراطورية، في العراق وغيره. اذا صحّ توقّع الأميركيين هؤلاء، والذي تراهن عليه غالبية حكّام العرب ونخبتهم، فإن توفير الظروف التي تحول دون خوض بوش حروباً أخرى هي من العوامل التي قد تساعد على ان يهزم نفسه.