ثمة وحدة حال بين ركاب قطارات الأنفاق المترو في لندنوباريس وسيارات الأجرة في بيروت والقاهرة وراكبي الدراجات الهوائية في شوارع بكين. كل واحد منهم، ومن بلايين البشر غيرهم، يحتاج الى وسيلة تنقله من مكان الى آخر. وتزدحم طرق العالم حالياً بنحو 750 مليون سيارة، في مقابل 50 مليوناً فقط سنة 1950. وهو رقم قد يتضاعف سنة 2025. ويباع اكثر من 17مليون سيارة كل سنة في الولاياتالمتحدة وحدها. والطلب يتزايد في البلدان النامية، مثل الصين حيث يتوقع ان تنمو المبيعات من 600 ألف سيارة عام 2001 الى مليونين سنة 2010. تعتمد حركة النقل اعتماداً شبه تام على محروقات الوقود الأحفوري. ولم تتغير حصة المشتقات البترولية من الطاقة المستخدمة في السيارات طوال الربع الأخير من القرن الماضي، اذ بلغت نحو 95 في المئة. ومع نمو عدد السكان في العالم، اصبحت المدن اكثر اكتظاظاً وتزايدت اعداد السيارات فيها وكميات الانبعاثات الناتجة عنها. وخلال السنوات العشرين المقبلة، يتوقع ان تزداد منفوثاتها من ثاني اوكسيد الكربون بأكثر من 80 في المئة. وما تسببه السيارات من تلوث هوائي وازدحام وإجهاد وضجيج وحوادث سير، مع ما يستتبع تكاثرها من اقامة بنى تحتية جديدة، يضر بالإنسان والبيئة. لعل افضل طريقة للاقتصاد في الوقود وتخفيف التلوث خفض عدد السيارات لمصلحة النقل الجماعي. لكن ذلك صعب المنال، فالناس يريدون وسيلة انتقال خاصة ومريحة. وحب اقتناء السيارات ما زال على اشده. وترتفع اصوات دعاة حماية البيئة مطالبة بوسائل نقل مستدام. لكن ذلك من اصعب التحديات، خصوصاً في الدول الصناعية، لأنه يتطلب تغيراً جذرياً في العادات الاستهلاكية وتوجهاً نحو التوفير من خلال استخدام وسائل النقل العام ووسائل اخرى غير ملوثة مثل المشي وركوب الدراجات الهوائية والمشاركة في استخدام السيارات الخاصة، وكل هذه تدابير "غير مستحبة" اجتماعياً. لذلك يتنامى الاتجاه الى زيادة الكفاية التقنية للمحركات والسيارات وأنواع الوقود، لكسب سباق التطور صناعياً ولتلبية الحاجات الاستهلاكية للناس من دون تغيير انماط حياتهم. وقود بديل وتحسينات خضراء من انواع الوقود البديلة التي يجري الخبراء ابحاثاً عليها الغاز الطبيعي والإيثانول والميثانول والهيدروجين. كما احرزت السيارات الكهربائية نجاحاً كبيراً من الناحية البيئية، لكن مبيعاتها بقيت محدودة. فهي تروق للبعض بسبب التقنية العالية في تصميمها، وهدوئها اثناء التشغيل، وقدرتها على التزود بالطاقة في المنزل، واستغنائها عن البنزين، وكونها انظف السيارات المتوافرة حتى الآن. لكن كلفة بطارياتها مرتفعة ومداها محدود، ما حال دون ان تصبح خياراً عملياً لغالبية المستهلكين. ويعرض عدد من صانعي السيارات حالياً طرازات تعمل على نوعين من الوقود، كل على حدة: بنزين ووقود بديل. ومنها سيارات بيك أب تستطيع العمل على الغاز الطبيعي المضغوط او على البنزين، بحسب النوع المتوافر. ماذا يفعل كبار صانعي السيارات؟ تعتبر شركة تويوتا اليابانية رائدة تكنولوجيا السيارات الصديقة للبيئة،. إذ سوقت عام 1997 اول سيارة مهجّنة تعمل على البنزين والكهرباء، هي بريوس Prius التي تقطع 30 كيلومتراً بليتر البنزين، ما يجعلها افضل سيارة بخمسة مقاعد اقتصاداً بالوقود في العالم. وقد ضاعفت اقتصادها بالوقود وخفضت انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون الى النصف. وهي تطور قطع غيار مصنوعة من بلاستيك حيوي. وتستعد تويوتا لإنزال عدد قليل من طراز سيارة ركاب تعمل بخلايا الوقود الى السوق سنة 2003، على ان تؤجر الى مؤسسات حكومية ومعاهد ابحاث وشركات طاقة. ولا تتوقع الشركة تسويقاً واسع النطاق لسيارتها هذه قبل سنة 2010. وتتوقع ان تصل مبيعاتها العالمية السنوية من سياراتها المهجّنة الى حوالى 300 ألف سيارة بحلول سنة 2005. في الولاياتالمتحدة، ادى انخفاض كلفة المشتقات النفطية الى تثبيط الجهود الرامية الى خفض استهلاك الوقود، ودفع جنرال موتورز، اكبر شركة لصنع السيارات في العالم، الى التخلي عن انتاج نوعين من السيارات الأكثر اقتصاداً بالبنزين في الولاياتالمتحدة هما "شفروليه مترو" و"شفروليه بريزم". وتنفق الشركة اكثر من بليون دولار سنوياً على تطوير تقنية خلايا الوقود، لكنها لا تتوقع ان تدخل سيارات تعمل بهذه التقنية السوق التجارية قبل سنة 2010. وهي وضعت خططاً لإنتاج سيارات وشاحنات وحافلات مزدوة بمحركات مهجّنة تعمل على البنزين والكهرباء، اولها سيارات بيك أب من طرازي "سيلفرادو" و"سييرا" سيبدأ تسويقها سنة 2004، وهذه تخفض استهلاك الوقود بنسبة 10 الى 15 في المئة. وكانت جنرال موتورز تصدرت صناعة السيارات الصديقة للبيئة في التسعينات عندما انتجت سيارتها "اي في 1" پEV1، أول سيارة كهربائية يتم انتاجها على نطاق واسع، لكن حكم عليها بالفشل بعد ان كلفت بليون دولار. وقد عرضت الشركة في معرض باريس في تشرين الأول اكتوبر الماضي سيارتها "هاي - واير" Hy-Wire التي تعمل بخلايا الوقود وتستخدم في تشغيلها الإلكترونيات بدلاً من الكابلات. اما فورد الأميركية، ثاني اكبر شركة لصنع السيارات في العالم، فقد انتجت في اوروبا سيارة فييستا Fiesta التي تعمل بمحرك حقن مباشر طورته بالاشتراك مع شركة بيجو الفرنسية، وتقطع 27 كيلومتراً بليتر الديزل خارج المدن، ما يجعلها من اكثر السيارات اقتصاداً بالوقود. لكن حملة خفض النفقات لإنهاء الخسائر الضخمة التي تكبدتها الشركة دفعت رئيس مجلس إدارتها بيل فورد الى القول ان جهوداً اخرى لخفض غازات الدفيئة "سوف تبذل في ضوء الحقائق المتعلقة بعملنا في المدى القريب". وقد تخلت فورد عن مشروعها "ثينك" Think النروجي لإنتاج سيارة كهربائية لأن المبيعات كانت مخيبة للآمال، بعد ان استثمرت فيه 100 مليون دولار. وبحلول سنة 2004، ستكون شركة دايملر - كرايزلر الألمانية الأميركية أنفقت على امتداد 14 عاماً ما لا يقل عن بليون دولار لتطوير تقنية خلايا الوقود. ومنذ 1994 انتجت خمسة انواع من السيارات الكهربائية طراز "نيكار" Necar باستخدام تقنيات خلايا وقود متنوعة. وقد بدأت عام 2000 تسويق اول مجموعة محدودة من السيارات العاملة بخلايا الوقود، هي حافلات "مرسيدس - بنز" التي تعمل على الهيدروجين داخل المدن. وتتوقع تسويق اول سيارة ركاب تعمل بخلايا الوقود سنة 2004. وكانت في العام 1998 ادخلت الى السوق سيارة "سمارت دي سي آي" Smart DCI الصغيرة ذات المقعدين، التي تخفض الى حد كبير انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون وتقطع 4،29 كيلومتر بليتر الوقود. وطورت نسخة مهجنة من هذه السيارة. ويتميز هيكل "سمارت" بوجود لوحات مصنوعة من سبيكة بلاستيكية حرارية تدعى "زينوي" هي اخف عدة مرات من الفولاذ. وقد بيع منها في اوروبا واليابان العام الماضي 116 ألف سيارة، بزيادة 16 في المئة عن مبيعات العام 2000. وطور فرع كرايزلر سيارة تعمل بخلايا الوقود من طراز "ناتريوم" Natrium الذي يخزن الهيدروجين في شكل صوديوم بوروهيدرايد، وهو محلول غير سام شبيه بالصابون. محركات مهجّنة وخلايا وقود تتقدم هوندا اليابانية السباق لإنتاج سيارة مقتصدة. فقد انتجت سيارة مهجّنة ذات بابين من طراز "انسايت" Insight موجودة في الأسواق الآن، تؤمن انسيابية هوائية وتقطع 35 كيلومتراً بليتر الوقود، وتخفض انبعاثات ثاني اوكسيد الكربون اكثر من 40 في المئة مقارنة مع سيارات بحجم مماثل. وتتولى هوندا، ثاني اكبر شركة لصنع السيارات في اليابان، تسويق نسخة مهجّنة من سيارتها "سيفيك" Civic العائلية التي تقطع 5،29 كيلومتر بليتر الوقود. ويبلغ عدد السيارات المهجّنة التي باعتها منذ 1999 نحو 13 ألف سيارة. وهي تخطط لتسويق سيارة تعمل بخلايا الوقود السنة المقبلة، لكنها ستستخدم عادماً من صنع شركة بالارد ريثما تفرغ من صنع عادمها. وتعتبر شركة فولكسفاغن الألمانية رائدة تكنولوجيا صنع السيارات العاملة على الديزل. ففي العام 1978 انتجت اول سيارة ركاب مزودة بمحرك ديزل. وفي اواخر الثمانينات اعتمدت طريقة التوربو لحقن الديزل مباشرة، وهي اكثر اقتصاداً بالطاقة. وفي 1999 انتجت ما اعتبرته اول سيارة "3 ليترات" في العالم من طراز "لوبو" Lupo تقطع 100 كيلومتر بثلاثة ليترات وقود. وفي نيسان ابريل الماضي عرضت اول سيارة "ليتر واحد" في العالم، وهي نموذج اولي في شكل رصاصة، تقطع 100 كيلومتر بليتر من الوقود فقط، لكنها لن تدخل حيز الإنتاج التجاري. وتركز الشركة على حلول صديقة للبيئة، مثل الوقود التركيبي Synthetic ووقود المخلفات الزراعية biomass. وأنتجت رينو الفرنسية سياراتها الأكثر اقتصاداً بالوقود "كليو" Clio 1.5-litre Dci التي تقطع 8،23 كيلومتر بالليتر. وعرضت في باريس نسخاً مهجّنة وكهربائية من سيارة الميني فان "كانغو" Kangoo التي دخلت السوق في تشرين الأول اكتوبر الماضي، وهي تنتج بأعداد صغيرة نسبياً. وكانت اطلقت عام 2000، بالاشتراك مع شركة نيسان، برنامجاً لإنتاج خلايا وقود كلفته 800 مليون يورو. وقدمت رينو موعدها لبيع سيارات تعمل بخلايا الوقود من 2005 الى 2003، وهي تأمل ان تباشر تصنيعها تجارياً بحلول سنة 2010. لكن نيسان فقدت مؤخراً الكثير من الاعتبار عندما طلبت من تويوتا تزويدها بنظم مهجّنة لمدة لا تقل عن 10 سنوات. وأنتجت شركة بيجو - سيتروين الفرنسية سيارتها الأقل تلويثاً "سيتروين سي 3" Citroen C3 المزودة بمحرك الديزل 4،1 ليتر ذاته الذي تستخدمه سيارة "فييستا" التي تنتجها فورد. وهي تطلق 110 غرامات من ثاني اوكسيد الكربون في كل كيلومتر، فيما هدف الصناعة الأوروبية هو 140 غراماً كحد اقصى سنة 2008. وتسعى هذه الشركة، التي تعتبر ثاني اكبر مصنّع للسيارات في اوروبا، الى بيع سيارة صغيرة مهجّنة المحرك من طراز "ميني هايبريد" Mini Hybrid في اوائل السنة المقبلة، باستخدام موتور كهربائي لزيادة السرعة إثر توقفات متكررة في المدن المكتظة، ما يخفض استهلاك الوقود بين 7 و10 في المئة. نقل مستدام استجابة للحاجة الملحة الى بدائل نظيفة لأنواع الوقود الأحفوري، شكلت مجموعة من ممثلي صناعة السيارات والطاقة في اوروبا، بالاشتراك مع الحكومة الألمانية، فريق عمل لوضع "استراتيجية طاقة النقل". ويهدف المشروع الى اعطاء اوروبا مركزاً ريادياً على الصعيد العالمي في استخدام انواع بديلة من الطاقة في وسائل النقل على الطرق. ويؤمل ان تؤدي هذه الاستراتيجية الى التقليل الى حد كبير من الاعتماد على النفط الخام وخفض الانبعاثات، وخصوصاً ثاني اوكسيد الكربون. واختار الفريق الهيدروجين كأفضل وقود، نظراً لإمكان انتاجه من مجموعة واسعة من المصادر الأحفورية والمتجددة. لكن تخزين الهيدروجين يبقى مشكلة، فالهيدروجين المضغوط مجدٍ في الحافلات والسيارات الكبيرة الأخرى. ولاستخدامه في السيارات الصغيرة، تجرى ابحاث في انحاء العالم باستعمال هيدريدات معدنية تمتص الهيدروجين، ما يجعله اصغر حجماً، وعندئذ يمكن تعبئته في خزان شبيه بخزان البنزين. وقد وضعت حافلات تعمل بتقنية خلايا الوقود قيد التشغيل في شيكاغو وفانكوفر منذ العام 1997، لكن ينبغي خفض النفقات لمنافسة التكنولوجيات المستخدمة في قوافل السيارات الكبيرة.كل خيار اكثر "اخضراراً" يتخذه المستهلك يخفض التلوث بصورة مباشرة. وكلما ازداد عدد المستهلكين الذين يشترون سيارات خضراء، اهتم المصنّعون اكثر بالتصاميم الصديقة للبيئة ورصدوا الأموال اللازمة لتطويرها. * ينشر بترتيب مع مجلة "البيئة والتنمية".