اعادت قمة كوبنهاغن الاخيرة تسليط الضوء على حماس تركيا للانضمام العاجل الى الاتحاد الاوروبي. وفي الوقت الذي يرى معظم حكومات اوروبا ان هذا طموح مشروع، فإنه كان مثار جدل كبير في اماكن اخرى. وأياً كان الأمر، فإن المهم حقاً هو أن الاتحاد الاوروبي حدد فترة للمراقبة كي يتحقق بالتجربة من مدى رسوخ الديموقراطية في تركيا وموقف الحزب الحاكم حالياً في ما يتعلق بالتسامح واحترام الديموقراطية. وهذه خطوة بالغة الاهمية لأن اقناع العالم بأن لا تعارض بين الاسلام والديموقراطية سيتوقف الى حد كبير على مدى نجاح التجربة التركية. من الضروري بداهةً، في هذه الحالة اكثر من سواها، التمييز بين المسلمين المتدينين واولئك الذين هم، على العكس تماماً، اسلاميون متطرفون. فالاسلام والنزعة الاسلاموية واقعان مختلفان ومتعارضان. ولذا فإن الاحزاب التي تستلهم الاسلام وتدعي أنها معتدلة وتحترم الديموقراطية ستحسن صنعاً إن هي لم تكتف بالتوقف عن توصيف نفسها بأنها اسلامية فحسب بل تقطع، اولاً وقبل كل شيء، كل وأي صلات ايديولوجية او تكتيكية او استراتيجية بأحزاب من البديهي انها ذات توجه اسلامي متطرف. حقق حزب العدالة والتنمية فوزاً ساحقاً في انتخابات تركيا في 3 تشرين الثاني نوفمبر الماضي، مكتسحاً تشكيلة من الاحزاب التقليدية التي لم تجلب سوى غالبيات نسبية وعدم الاستقرار والمخاوف. ويطرح هذا الحزب نفسه باعتباره المرادف الاسلامي لاحزاب الديموقراطية المسيحية من تيار الوسط المعتدل في اوروبا. ويبدو ان برنامج حكومته وخطواته الاولى تدعم هذا الانطباع، لكن اصوله الاكثر تطرفاً، وحقيقة ان بعض عناصره القيادية هم اصلاً من احزاب اسلامية متطرفة مثل حزب الرفاه، يجب ان توضح بشكل حاسم. كما يجب ان توضح على نحو مماثل اي صلة تربط هؤلاء بماضيهم. لا بد ان يُمنح السياسيون، بالطبع، الحق في ان يصححوا مواقفهم، ويبدو ان زعيم الحزب ذا الشخصية الجذابة شعبياً هجر الخط الذي كان ينتهجه في الماضي. لكن يتعيّن على الحكومة التركية ان تمارس الحكم بصورة مسؤولة تماماً، معتمدة الاتزان والحكمة في بلد يكتسب اهمية خاصة بالنسبة الى اوروبا وآسيا والعالم كله. وستكون هذه فرصة ذهبية لاظهار الوجه الحقيقي للاسلام المعتدل، لكنها في الوقت نفسه اختبار حقيقي يريد كثيرون ان يُخضعوا له حزب العدالة والتنمية وحكومته. واذا لم يتمكن حزب العدالة والتنمية من ان ينأى بنفسه عن النزعة الاسلاموية المتطرفة، فإن ظلاً قاتماً من الشك سيخيم على استعداد الاحزاب الاسلامية المعتدلة وقدرتها على تبني قيم الديموقراطية والتسامح بشكل كامل، والتزام قواعد لعبة التعددية السياسية وتداول السلطة. ويبدو من البديهي ان أي حزب اسلامي متطرف سيسعى الى انتزاع سلطة مطلقة والتحكم بقوة بالمؤسسات والعقول في اطار دكتاتورية ثيوقراطية في الظاهر فحسب بينما هي في حقيقة الأمر دينية زائفة واوليغاركية. وستحاول الاحزاب الاسلامية المتطرفة ان تحقق هذا الهدف بالفوز في الانتخابات، لذا من المفيد التذكير بشعارات انتخابية لجبهة الانقاذ الاسلامية في الجزائر، اذ اكدت مراراً وتكراراً ان تلك الانتخابات ستكون الأولى والاخيرة وبعدها "فإن الله وحده سينتخب"، وهو ما يعني في لغتهم إدامة سلطتهم الاستبدادية. هذا هو ما يجعل نجاح رجب طيب اردوغان، الزعيم البارع لحزب العدالة التنمية - الذي يرجح ان يصبح رئيساً للوزراء في وقت غير بعيد، في اعقاب الاصلاح الدستوري الاخير الذي أقره البرلمان التركي - يكتسب اهمية قصوى اذا كان للديموقراطية ان تتوسع وتترسخ في العالمين العربي والاسلامي. ان هذه العملية مهمة لدرجة ان تأثيرها يتخطى ما هو تركي محض، بل حتى العالم الاسلامي، لان السلام والاستقرار في ارجاء العالم سيتعززان اكثر بقدر ما يجري إشاعة الديموقراطية حقاً في البلدان الاسلامية. يتوقع ان تنشر جامعة اميركية مرموقة في وقت قريب جداً ورقة بحث بالغة الاهمية عن الديموقراطية والاسلام. وعلى رغم ان مؤلفيها طلبوا مني الاّ اكشف الاستنتاجات الاولية التي توصلوا اليها حتى يُنجز العمل، يمكنني ان اقول ان بعض الكليشيهات حول الاسلام والديموقراطية التي يتبناها بقوة وبشكل خاطىء مفكرون متقلبون ستُحطم عندما يُنشر العمل. لا تقوم الانظمة الدكتاتورية التي لا تزال قائمة في جزء من العالم العربي، وايضاً، وإن بدرجة اقل، في اماكن اخرى من العالم الاسلامي، على الاسلام او التقاليد بل تستند حصرياً الى طموح حكامها الى السلطة الدائمة والى خوف الطبقات الحاكمة من المجهول الذي تنطوي عليه عملية تطور سياسي يمكن في اعتقادهم ان تقودهم في النهاية الى الهاوية بدلاً من الديموقراطية. ومن نافلة القول ان مقاومة التغيير والفشل في التطور في اتجاه الديموقراطية هو الذي يمكن بالأحرى ان يهزّ في النهاية دعائم هذه المجتمعات. سيكون من غير المنصف تماماً عند هذه النقطة ان نتجاهل التطور السياسي الكبير الذي شهده بعض البلدان العربية التي كانت تفتقر الى الظروف الموضوعية والى بنى مناسبة مسبقة لضمان تحقيق مثل هذا التقدم الديموقراطي، ولكنه تحقق مع ذلك في ظل انظمة حكم ملكية اكثر فقراً مثل الاردن والمغرب. في المثال الاول، فازت المعارضة الاسلامية في ثلاثة انتخابات متتالية، لكنها لم تتمكن من الوصول الى الحكم لأنها فشلت في الفوز بغالبية مطلقة وتوحدت كل القوى السياسية الاخرى لمنع قيام حكومة اسلامية متطرفة. وفي المغرب، لم تكن التطورات السياسية شيئاً يستهان به، لدرجة ان سجيناً سياسياً سابقاً، عبد الرحمن اليوسفي، اصبح رئيساً لوزراء المملكة. وجرت اخيراً انتخابات تميزت بالشفافية تحت اشراف مراقبين دوليين، اظهرت بالاضافة الى ذلك صعوداً قوياً لحزب معارض اسلامي متطرف هو حزب العدالة والتقدم المغربي. وعلى نحو مماثل، تشكل حقيقة ان الناطق الحالي باسم الحكومة هو شيوعي سابق، امراً بالغ الاهمية. فلا يمكن تصور ان شيئاً من ذلك كان ممكناً قبل عشر سنوات فحسب. وتجنح بلدان اخرى تخضع تقليدياً لانظمة حكم ملكية محافظة و/او مستبدة الى نماذج لديموقراطية برلمانية سياسية بعد صعود اولياء عهد شباب اكثر انفتاحاً الى الحكم، وكان بعضهم تلقى تعليمه في جامعات راقية في العالم الديموقراطي. وينطبق هذا على البحرين او قطر، اللذين جرت الاشارة اليهما من قبل بعض المحللين السياسيين في الولاياتالمتحدة باعتبارهما المثالين الوحيدين على التطور الديموقراطي في العالم العربي، متجاهلين امثلة اخرى لا تقل اهمية او حتى تفوقها اهمية. وتجدر الاشارة الى ان اولئك الذين يجرون تحليلات سطحية للعالمين العربي والاسلامي يصرّون على نفي وجود رأي عام عربي واسلامي، لكن الحقيقة هي انه غالباً ما يفتقر الى وسائل مناسبة للتعبير موجودة بالفعل في البلدان الاكثر ديموقراطية. ولذا فإن هناك خطراً جدياً في تأجج المشاعر وتفجرها بسهولة اكبر بالمقارنة مع بلدان اخرى. وهذا هو ايضاً السبب وراء ما يبديه الزعماء والرأي العام العلني والمنشور على السواء في هذه المجتمعات من حساسية مفرطة تجاه التلميحات او الآراء او التصريحات التي تصدر عنهم او حولهم في الغرب. لا يمكن ان نتجاهل، على رغم ما قد يوحي به ذلك من تكرار، مدى الخطورة التي تمثلها النزعة الاسلاموية بالنسبة الى هذه المجتمعات وبالنسبة الى بقية العالم على حد سواء. وفي الوقت نفسه، اظهاراً للمثل التقدمية في الخطاب السياسي، ينبغي ان نكف عن توصيف هذه النزعة بكونها متطرفة لا لأن ذلك غير ضروري فحسب بل لانه يعني الاقرار باأن ايديولوجية النزعة الاسلاموية المستبدة ستكون مشروعة اذا لم يُدافع عنها بمثل هذا التطرف والتعصب. فالاسلام هو نقيض النزعة الاسلاموية، وبالتالي ضحيتها الاولى والاساسية. هذه حقيقة ينبغي للغرب الاّ ينساها ابداً، فإن عدونا مشترك. ينبغي للعالم كله ان يكون يقظاً تجاه النزعة الاسلاموية ويمنعها من احراز تقدم عن طريق العنف أو بشكل ماكر، فهي تخترق بعض المجتمعات احياناً عبر الباب الخلفي. ولهذه الاسباب فمن الاهمية بمكان الاّ يصار الى الاكتفاء بانجاز وترسيخ إشاعة الديموقراطية والتطور السياسي في العالمين العربي والاسلامي فحسب بل ان ينتشرا على نطاق واسع. ومن الواضح ان تركيا، اخذاً بالاعتبار اهميتها الجيو- سياسية والجيو- استراتيجية وتأثيرها على بناء اوروبا، هي المثال الاكثر اهمية على التطور السياسي وإشاعة الديموقراطية. لكن من الضروري ان تُراقب عن كثب وتُدعم التطورات والتجارب الديموقراطية في البحرينوالاردن والمغرب وقطر، الى جانب بلدان اخرى، التي ستكون بلا شك الاختبار الحاسم الأهم للاسلام المعتدل على صعيد عالمي، فضلاً عن الاعتراف بانجازات هذه البلدان ونجاحها وبالتالي دفعها وتشجيعها للمضي قدماً. فلا هم ولا نحن يمكن ان نتحمل النتائج المترتبة على فشلهم. الناطق باسم لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الشعبي الحاكم في اسبانيا.