اشياء كثيرة تقفز إلى الذهن عندما يسمع المرء عن مديحة العجروش. فهي اول فنانة فوتوغرافية سعودية تحترف التصوير الفوتوغرافي، وهي اول امرأة سعودية تقدم على انجاز كتاب شامل عن مدينة ابها بالاشتراك مع الاميرة نورة آل سعود والسيدة الجوهرة العنقري. قالت عنها الناقدة الأميركية ماري ماكوي في ال"واشنطن بوست": "ومضة حياة تبث الروح في مكان قديم... صور تبدو كمشهد في مسرحية... الوان براقة كالمجوهرات تنعكس على المشاهد كقصيدة فنية". عندما حضرت معرضها "ومضات وظلال" الدي افتتح الاسبوع الماضي في الرياض احترت في تصنيفها ضمن الفنانين التشكيليين او المصورين الفوتوغرافيين... فهى تجمع بين الاثنين لانها لا تلتقط الصورة كما هي موجودة في الواقع بل تعيد تشكيل اللقطة كما تريدها هي، وفقاً لما تريد ان تقوله وان تخرجه من مشاعر، لهذا جاءت جميع لوحاتها اقرب الى الفن التشكيلي منها الى التصوير الفوتوغرافي. التراث في جميع صورها ليس مجرد خلفية، بل يجب الا نتوقف عنده كثيرا، وعند الايحاءات التي ترمي اليها الصورة من خلال الاضاءة والحركات واللقطة. لا تخلو صورة واحدة لها من المرأة كأنها تحمل فوق كتفيها معاناة المرأة العربية واحباطاتها المتكررة ويأسها الدائم مع تطلعها الى مستقبل افضل. فكيف تم ذلك؟ كيف يتسنى لها ان تقوم بكل هذا الجهد في التصوير؟ وكيف استطاعت ان تتغلب على الكثير من العقبات التي واجهتها ؟ اسئلة كثيرة دارت في ذهني ولم اجد الاجابة عنها الا بلقائها... كيف بدأت التصوير؟ - كنت اريد تنمية اي موهبة عندي، ولا اعرف لماذا اخترت الكاميرا بالذات، لم يكن عندي سبب معين لاختيارها، فقط بعد 18 عاماً قضيتها خارج المملكة بين الحبشة وايران ونيويورك وماليزيا مع والدي الذي كان يعمل في السلك الديبلوماسي، وبعد العودة الى جدة شعرت بأنني لا بد من ان انمي اي موهبة وبدأت يداي تداعبان الكاميرا. كنت اقوم بتصوير الزهور في حديقة منزلنا وبدأت اشعر بانسجام تام مع الكاميرا وبأن هذه الآلة الصماء تستطيع ان تقول الكثير واستطيع ان اعبر بها عن اشياء كثيرة داخلي من احاسيس ومشاعر. انها مثل لسان الشاعر وفرشاة الرسام. كنت اشعر بكل ذلك ولكن لا اعرف كيف، واين اتعلم. كنت اقف عاجزة امام الكثير من الاسئلة التي لا اعرف اجابة عنها، بعد ذلك سافرت الى اميركا وحصلت على بكالوريوس علم النفس من جامعة اوكلاهوما وعدت الى السعودية وعملت في التدريس ولكنني شعرت انه لا يناسبني، وبحثت عن عمل في مجال علم النفس والحمدلله فلم اجد ثم عملت في اليونيسيف، كل هذا وموهبتي داخلي لم تظهر بعد، او قل لم تأت الشرارة التي تجعلها تخرج من داخلي. وخلال عملي في اليونيسيف سافرت الى ابها وهناك كان موعدي مع تلك اللحظة، اقصد لحظة الكشف عن اشياء كثيرة داخلي فقد وجدت في ابها الكثير من الاشياء التي تفاعلت معها سواء من التراث او من الطبيعة ووجدت ان ابها تزخر بما يجب ان يسجل ويوثق وانا لست شاعرة ولا رسامة فاتجهت تلقائياً الى الكاميرا، وهنا اخذت قراراً بدراسة التصوير وكان ذلك عام 1982. بداية الاحتراف كيف كانت بدايتك مع الاحتراف؟ - كما قلت عندما رأيت ابها وصممت على تسجيل تراثها وطبيعتها وجدت في الوقت نفسه ان هناك نساء اخريات يذبن عشقاً بابها، ولكن ايضاً لا يعرفن كيف يعبرن عن هذا الحب، كيف يحولن هذا الانفعال الداخلي بأبها الى شيء ملموس خصوصاً الاميرة نورة بنت محمد رئيسة جمعية الجنوب النسائية والسيدة الجوهرة العنقري المتخصصة في العلوم الانسانية فقررنا معاً ان نؤلف كتاباً عن ابها وان تتولى الاميرة نورة القسم الجغرافي وتتولى السيدة الجوهرة الجزء الخاص بالبيئة والانسان وان اتولى انا التصوير ومتابعة الطباعة. ووجدت نفسي امام تحد كبير لا بد ان اواجهه، وبدأت اعد نفسي فذهبت الى اميركا لدراسة التصوير وقضيت فترة طويلة في المعامل من الصباح حتى الخامسة مساء، درست الاضاءة والتصوير الخارجي والتصوير في الاستوديو، ثم تكررت الدورات بعد ذلك في بريطانيا وغيرها. لماذا اهتمامك بالتراث؟ - انا اهتم كثيراً بعلم الانسان والاجتماع بحكم دراستي الاكاديمية، وكنت ارى ان مجتمعنا يتغير بسرعة كبيرة وان تراثنا سيتحول الى ماض معدوم لا يراه أحد ولا يقرأه احد وليست هناك وسيلة لحفظ هذا التراث العظيم إلا في الابحاث وهي للاكاديميين والمتخصصين فقط وليست على مستوى رجل الشارع العادي والمرأة البسيطة، ولهذا اردنا ان يكون ماضينا ماثلاً امامنا ليل نهار، واردنا ان نورث هذا الماضي لابنائنا واحفادنا من بعدنا وان نعيد اكتشاف التاريخ واحيائه بكل عظمته وشموخه، ورأينا ان افضل وسيلة لذلك هي وضع هذا التاريخ بين دفتي كتاب حتى نستطيع ان نقول لاحفادنا هذا ما كان يفعله اجدادنا وآباؤنا، وهذا ما كنا نفعله نحن، وانكم يا احفادنا من بيئة عريقة، وهذا ما فعلناه في الكتاب عن ابها، سجلنا كل ما يتعلق بتاريخ ابها من مأكولات ومشروبات وملابس وادوات زينة وعادات وتقاليد ومساكن، بالكلمة والصورة الى حد ان هناك بعض البيوت القديمة سقطت بعد تصويرها بفترة بسيطة. كم من الوقت والجهد استغرق تصوير الكتاب؟ - كنت اعمل في اليوم 18 ساعة متواصلة. اذهب عند الفجر في الجبال والوديان والسهول وعند الظهر في الاسواق مع الناس ومساء في الاستوديو لتصوير المجوهرات. قضيت في ابها ثلاثة شهور متواصلة اعمل بصفة مستمرة ومع ذلك لم اشعر بأي تعب بل كان ذلك قمة المتعة بالنسبة اليّ. يقول الفنانون التشكيليون ان المصورين الفوتوغرافيين ليسوا فنانين، فما تعليقك على هذا؟ - لا أعتقد ذلك ، هم يعتقدون اننا نمسك بآلة ميكانيكية حديثة تلتقط الصورة ونحن ما علينا الا الضغط على الزر وهذا خطأ، انا اعتقد ان المهم ليس الكاميرا ولكن المهم من يقف خلف الكاميرا، كيف يستطيع ان ينقل الى الكاميرا احاسيسه ومشاعره، كيف يذوب في الكاميرا، كيف يجعل هذه الآلة الصماء تعبر عن وجدانه وكيف يحولها الى شيء له قلب واحاسيس ومشاعر. بالعكس انا اعتقد ان التصوير اكثر صعوبة من الرسم فقواعد الرسم هي نفسها قواعد التصوير من حيث المكان والاضاءة والكادر، ومهمة المصور اكثر صعوبة لأن الرسام يستطيع ان يرسم الشروق والغروب في اي وقت يشاء ولكن المصور ينتظر ساعات بل اياماً وحتى يصل الى الصورة التي يشعر بأنها تعبر عما يريده جيداً. يقولون ايضاً انكم تنقلون الواقع فقط؟ - لا اوافق على ذلك لان المصور ينقل الواقع كما يشعر به وليس كما هو موجود. هو لا يسجل الواقع فقط بل ينقل الى الواقع تجربته ويأخذ من الواقع ما ينفعل معه. وبقدر ما يحاكي الواقع يقدر ما يعطيه، انت لا تستطيع ان تتصور مشاعري واحاسيسي وانا استعد للتصوير. هي مشاعر الرسام نفسها عندما يرسم والشاعر عندما يشعر، انني اشعر بالقلق والرهبة والتوتر واشعر بأن هناك وليداً حان موعد خروجه ولكن كيف ومتى لا اعرف، ولا اهدأ الا بعد التصوير عندما اجد نتائج كل هذه المشاعر قد تجسدت امامي في صورة، والدليل اننا لا نحاكي الواقع فقط. ان المنظر الواحد يلتقطه اكثر من مصور باكثر من طريقة لان كلاً منهم يلتقطه بأحاسيسه ومشاعره الخاصة. اؤكد لك ان التصوير فن بكل معنى كلمة فن الى حد افتتاح المعاهد والكليات وطباعة عشرات المجلات والدوريات الخاصة بالتصوير الفوتوغرافي. ظهرت موهبتك في التصوير متأخرة. هل تعتقدين ان الموهبة ممكن ان تظهر متأخرة؟ - طبعاً ممكن، انا لم اكن اعرف ان عندي موهبة التصوير، صحيح انني كنت اشعر بأن هناك شيئاً خفياً يجذبني ولكن لم يخطر ببالي ابداً ان هذه الموهبة ستصل بي في النهاية الى الاحتراف، الموهبة تظهر في اي لحظة اذا تهيأت لها الظروف. واؤكد لك ان لدينا الكثير من المواهب في مجال الفنون المختلفة ولكن لم تساعدها ظروفها بعد. هل تعتقدين ان العالم العربي فيه ما يستحق ان يصور مرة اخرى بعد عشرات الكتب الموجودة عنه؟ - بالتأكيد العالم العربي من اغنى مناطق العالم الجديرة بالتصوير والا ما كان الاجانب التفتوا الى هذا وقاموا بتصويره، وانا انبه الى ضرورة الاسراع بتصوير وتسجيل وتأريخ كل شبر من ارضنا العربية بالصور، وأطالب باعادة اكتشاف ماضينا بعيون عربية لان، للاسف. معظم الكتب المصورة الموجودة عن العرب قام بها اجانب قدامى وبالتالي التقطوها بعيونهم ورؤيتهم هم، فمن المعروف ان التصوير يبدأ بالدهشة والانفعال، وما يدهشني انا كعربية قد لا يثير دهشة المصور الاجنبي وانفعاله، ومن هنا اطالب بتصوير وطننا العربي بواسطة ابنائه.