ظلّت اذاعة "صوت الشباب" التي يديرها عدي النجل الأكبر للرئيس العراقي صدام حسين الى جانب اذاعة "بغداد أف أم" منذ العام 1993، الأقرب الى نبض الشباب العراقي. فهي نافذته على الجديد في الغناء العراقي والعربي، لا سيما ان غالبية المستمعين لا تتمكن من اقتناء الأشرطة والاسطوانات لارتفاع ثمنها قياساً بمعدل الدخل الشهري. وتميزت الاذاعة، إضافة الى الموسيقى باثارة قضايا اجتماعية وسياسية وفنية ساخنة وهو ما لم يعتده المستمع في العراق من محطتي الاذاعة الرسميتين: "بغداد" و"صوت الجماهير". من هاتين النافذتين عبرت اذاعة "صوت الشباب" وشقيقتها "بغداد أف أم" المتخصصان ببث الغناء والموسيقى الغربية والاخبار باللغة الانكليزية، فضلاً عن فيض من الاعلانات التجارية، الى قطاعات عريضة من الشباب العراقي الباحث عن الجديد العابر بندرة الى أسوار العزلة المفروضة عليه. وهذه الحال تغيرت منذ شهر نيسان ابريل الماضي حين بدأت اذاعة "سوا" الأميركية بثها الى المنطقة العربية معتمدة على تقديم فيض من الأغنيات العربية والانكليزية وما بينهما اخبار سريعة. وبدأت "سوا" تحقق حضوراً بين الشباب العراقي لا سيما ان الاذاعة توفر للمستمع العراقي بثاً خاصاً يركز في فترات الاخبار على مستجدات الشأن العراقي، وبالذات ما يعلن عن خطط الولاياتالمتحدة عن توجيه ضربة لاسقاط نظام الرئيس صدام حسين. "الحياة" اطلعت على نماذج من "رسائل الكترونية" بعث بها شبان عراقيون الى الاذاعة الاميركية التي يؤكد المشرفون على بثها الخاص بالعراق انهم يقصدون "وضع المواطن العراقي في صورة ما يحدث من حوله وايصال رسائل تطمين توضح انه لن يكون المستهدف من اي عمل عسكري اميركي". من بين تلك الرسائل كتب احد الشبان العراقيين طالب جامعي: "ألفت انتباهكم الى ان 85 في المئة من الشعب العراقي وفي الليل خصوصاً يديرون مؤشر المذياع نحو اذاعتكم: الطلبة، المحال التجارية وسيارات الاجرة. انها لفتة ذكية منكم ان تبثوا اغنيات غربية وعربية، انا طالب جامعي اقضي وقتاً طويلاً من الليل في القراءة استعداداً للامتحانات النهائية الرسالة مؤرخة في اوائل حزيران وأجد وقتاً ساحراً وأنا استمع الى الكثير من اغنياتي المفضلة الجديد منها والقديم وفي شكل خاص اغنية "كيرلس ويسبر" لجورج مايكل. مستمع آخر كتب الى "سوا" لافتاً الى انه "من طريق الصدفة وجدت اذاعتكم حتى اصبحت استمع اليها كل ليلة وتسعدني الأغاني مثلما تفيدني الاخبار، من دون ان ينسى طلب اغنيتين من الاذاعة "بتر مان" للمغني روبي ويليامز و"نو بودي وونتس تو بي لونلي" للمغني ريكي مارتن. المحطة الاميركية التي يلتقط بثها في العراق من الساعة السادسة مساء وحتى الثانية فجراً باتت المنافس لاذاعة "صوت الشباب"، وفقدت اذاعة عدي امتيازها بأنها "الأكثر مرحاً وانفتاحاً على الجديد في الغناء والموسيقى بل حتى في طرق التقديم البعيدة عن الرسمية المتكلفة"، كما يقول مدير الاذاعة السابق ناظم فالح المقيم حالياً في عمان. ويضيف: "كان المجال متوافراً للاذاعة في تقديم كل ما يفتقده المواطن العراقي بدءاً بالغناء والموسيقى وصولاً الى الاخبار"، لافتاً الى ان "هذه الحال تغيرت بعدما ملّ المواطن العراقي من كل خطاب اعلامي يحاول تجميل الكارثة التي يعيشها يومياً". ولا يستبعد فالح ان يصدر عدي اوامره بدمج الاذاعتين "صوت الشباب" و"بغداد أم أف" في اذاعة واحدة تستلهم الاسلوب الذي تمكنت به "سوا" من جذب اهتمام الشعب العراقي. "فالاعلام في العراق حكر على دعاية الحكم الذي لا يكره شيئاً قدر كراهيته للرأي الآخر، وهو يخشى بالتأكيد من ان تقوم "سوا" بدس السم في عسل اغنياتها وموسيقاها". كما يقول فالح الذي يستعد هذه الايام للهجرة الى اوستراليا بعد "معاناة شديدة من اساليب عدي الجائرة وعقوباته الجماعية للعاملين في الاذاعة". وكانت اذاعة "بغداد أف أم" رائدة منذ تأسيسها العام 1980 في تقديم موسيقى: البوب والروك والجاز وأغاني الريف الاميركي وحتى الموسيقى الكلاسيكية ضمن برامج كان يعدها شبان ويقدمونها مثل مهندس الطيران صباح هاشم أمين والطبيب مهيمن نوري جميل والطيار رعد جاويد دراز الى جانب المذيعين المحترفين مثل شميم رسام المقيمة حالياً في الولاياتالمتحدة. واستقطبت الاذاعة قطاعاً عريضاً من المستمعين في العراق، لا سيما ان الغرب كان صديقاً للحكم اثناء حرب بغداد على طهران، وتمكنت من توسيع قاعدة متذوقي الموسيقى الغربية حتى جاءت المواجهة مع الغرب وأميركا تحديداً بعد غزو الكويت ليتضاءل جمهور الغناء الغربي في العراق ولتضعف المادة الموسيقية في الاذاعة بسبب عزلة البلاد ولتتوقف عن البث في العام 1993 حين ذهبت اجهزتها الى اذاعة عدي "صوت الشباب" ثم اعيد بثها بعد اقل من عام ولكن بصورة شديدة الشحوب وبضعف في الإعداد والتقديم بعد هجرة غالبية العاملين فيها.