مع كل هذا الوهج القاتل للمذابح التي ترتكبها اسرائىل لا يزال الصمت مباركاً، ولعله الكلام الصامت ظلماً وظلاماً. العربي والمسلم والفلسطيني وكل مناضل مؤمن بحقوق الانسان مدان بالارهاب. ارهابي إن دافع عن الوطن بالجسد الغض. إرهابي إن صدق حواسه وأدرك يقيناً ان اسرائىل بكل مؤسساتها وفئاتها هي كيان مَرَضي أسير ذهنية مشبعة بالانحطاط الاخلاقي والتشوهات النفسية. جل ما يناله منا هذا الشارون هو الشفقة عليه لافتقاده الاحساس بانسانيته وكأننا امام حيوان هائج تتقاذفه نوازعه الوحشية بحثاً عن اطفال ومدنيين ابرياء ليرتكب المذابح ارضاء لنزوات نفسه المريضة. يمعن هذا في إجرامه وإرهابه كما يمعن ذاك في دعمه ونسي الجميع ان هناك عدالة واحدة اسمى بكثير من قدراتهم على ادراكها، عدالة تفوق سلطة اسلحتهم الحربية، هي عدالة الموت، فالكيان الاسرائىلي وكل من يؤازر وحشيته ماض الى نهاية محتومة هي الموت الاخلاقي والاجتماعي قبل الموت الجسدي. ما عرف التاريخ تجمعاً لسفاحين وقتلة إلا وأسقطهم. إن حتمية بقاء التجمعات الانسانية وارتقائها تحكمها قوانين الحضارة القائمة على الامتداد الفكري المتحرر من عدوانية العنصرية ومن "جدران الأمن" ومن شغف الاستيلاء على ثروات الشعوب الاخرى. ووسط اسئلة لا تحصى عن خلفيات الموقف الاميركي من الصراع العربي - الاسرائىلي يرتفع سؤال واحد هو عنوان المرحلة المقبلة: ماذا تريد الولاياتالمتحدة الاميركية من الدول العربية؟ وعلى رغم ان الاجابة مهيأة ومعلبة اميركياً وجاهزة للتوزيع في السوق العربية، وبعضهم اغراه سخاء الجواب المعلب، إلا ان الشعوب العربية لا تريد ان تصدق إن مثل هذه البضائع قد تصبح المرغوب به رقم واحد. فليكف من بقي على حال الاستفهام عما تريده اميركا من الشعوب العربية، لأن الجواب الرسمي هو غير الجواب الشعبي، ومع ان رسمية الجواب تخلق فجوة هائلة بين المصدرين الا ان الجواب الاول هو ما يوصف ب"حبر على الورق" والجواب الثاني هو "النقش على الحجر"، الجواب العنيد المستعصي على الترويض والتحريف والتشويه. فلا تناموا على وسادة هانئة من جواب رسمي مطمئن ومريح، فحتى الوسادة الرسمية تتقمص حجراً لا يلينه الإسعاف بالمنوم، وهي نفسها التي تنسج الكوابيس وتنصب الفزاعات. لا شيء يثير الاستهجان غير العقل العلمي الاميركي العاجز عن استعمال حاسة البصر من دون اوهام العدسة الصهيونية، اذا قلنا ان الاخطبوط الصهيوني في الادارة الاميركية هو ما يسقط السياسة الاميركية في مستنقعات العشوائية والازدواجية فماذا عن علماء الاجتماع الاميركيين!؟ أهم ايضاً استبدلوا قواميسهم بين ليلة وضحاها وتنكروا لمؤلفاتهم وأبحاثهم عن حقوق الانسان فقلبوا معاييرهم ليصبح السفاح مدافعاً عن نفسه من طفل رضيع بحجة انه مشروع ارهابي؟! أي أخلاقيات وأي حضارة تقدمها الولاياتالمتحدة الاميركية لأطفالها في مناهجها التعليمية؟ وأي علم ترفعه وأي دستور تستند اليه اذا كان ما تمارسه وما تقوله مخالفاً لقوانينها! هل اصيبت الادارة الاميركية بداء انفصام الهوية الوطنية فحيناً هي تلك الصورة البهية المشرقة لشرعة حقوق الانسان وأحياناً هي الوجه الآخر للصهيونية العالمية! بيروت - عايدة الصعيدي