كما لو كان يتحدث في ساحة المنارة وسط مدينة رام الله أثناء مشاركته في مظاهرة شعبية، واجه مروان البرغوثي القائد السياسي في حركة "فتح" الادعاء والقضاء والحكومة الاسرائيلية بالخطاب السياسي ذاته الذي انتهجه منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية قبل نحو سنتين. وقال البرغوثي أمام حشد من الصحافيين وممثلي وسائل الإعلام قبيل بدء الجلسة الأولى لمحاكمته من قبل اسرائيل باللغة العبرية "الانتفاضة ستنتصر". وقال: "السلام فقط يجلب الأمن للشعبين. يجب على الشعب الاسرائيلي أن ينهي الاحتلال". وأضاف مخاطباً الاسرائيليين: "انكم تدفعون ثمناً غالياً بسبب سياسة حكومتكم" و"السلام سيتحقق بانتهاء الاحتلال، ولا أمن ولا سلام مع الاحتلال"، و"أقول للجميع هنا أنا رجل سلام أحارب من أجل السلام والحل الأفضل هو دولتان لشعبين". وقال البرغوثي لقاضي المحكمة المركزية في تل أبيب: "توجد لائحة اتهام ضدي من جانب حكومة اسرائيل لكن لدي أيضاً لائحة اتهام ضد حكومة اسرائيل". وبدا البرغوثي بعد نحو أربعة أشهر من اختطافه على يد أفراد "الوحدات الخاصة" والجنود الاسرائيليين من أحد المنازل وسط مدينة رام الله متمتعاً بمعنويات عالية، وراح يتحدى أوامر منع التحدث للصحافيين ووجه حديثه باللغات العربية والانكليزية والعبرية مشيراً الى أن الحكومة الاسرائيلية تريد محاكمة النضال الفلسطيني الذي كفلته الشرعية الدولية. واخرج البرغوثي من قاعة المحكمة قبيل حضور القاضي لمنعه من الحديث وبعدما أعيد اليها تحدث مرة أخرى للصحافيين وابتسامته المعهودة على شفتيه، لكن القاضي قاطعه ليمنعه من الرد على ما ورد في لائحة الاتهام قائلاً: "هذا ليس المنبر الملائم لإبداء ملاحظات سياسية". وشملت لائحة الاتهام ضد البرغوثي والتي خصصت الجلسة الأولى لقراءتها "القتل والقتل العمد والشروع في القتل والتآمر والعضوية في تنظيم ارهابي والتحريض والمشاركة في نشاطات تنظيم ارهابي بصفته قائداً لحركة فتح وكتائب شهداء الأقصى التابعة لها والمشاركة في التخطيط للعمليات العسكرية وقيادة فتح وكتائب شهداء الأقصى". وأوردت لائحة الاتهام 37 عملية قالت ان البرغوثي كان على علم بتنفيذها وانه حصل على نحو 20 ألف دولار لتمويل هجمات بمصادقة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات. وهذه المرة الأولى التي تقدم فيها اسرائيل نائبا في المجلس التشريعي الفلسطيني وقائدا سياسيا للمحاكمة بعد توقيع اتفاقات اوسلو بين الدولة العبرية ومنظمة التحرير الفلسطينية والتي انشأ بموجبها المجلس التشريعي الفلسطيني. وانتخب البرغوثي 43 عاماً وهو من بلدة كوبر القريبة من رام الله خلال أول انتخابات تشريعية فلسطينية في العام 1996 وهو أمين سر اللجنة الحركية العليا لتنظيم "فتح" وتمتع بشعبية واسعة خلال الانتفاضة الفلسطينية، حيث شارك في النشاطات الشعبية كافة واعتبر أحد أبرز قادتها. ومددت المحكمة التي استمرت جلستها الأولى أمس 15 دقيقة احتجاز البرغوثي ثلاثة أسابيع أخرى على أن تعقد الجلسة الثانية في الخامس من أيلول سبتمبر المقبل. وأكد محامي البرغوثي جواد بولص ان الدفاع أوضح لهيئة المحكمة انه لا يعتبر ان لهذه المحكمة حقاً وصلاحية في محاكمة البرغوثي وأن اسرائيل كدولة محتلة لا تملك حق اعتقال نائب في البرلمان الفلسطيني وقائد سياسي ومحاكمته. وكان البرغوثي اقتيد الى قاعة المحكمة في تل أبيب من زنزانته في سجن في مدينة الرملة وهو موثق اليدين مرتدياً زي السجون الاسرائيلية البني اللون محاطاً بعشرات أفراد الشرطة ورجال الاستخبارات. وقالت المحامية فدوى زوجة البرغوثي ل"الحياة" ان سلطات الاحتلال رفضت السماح لها بحضور محاكمة زوجها على رغم تقدمها بطلب الحضور من خلال المحامين. واعتبرت لائحة الاتهام ضد زوجها "لائحة اتهام لنضال الشعب الفلسطيني وضعت ضد البرغوثي المنتخب من قبل الشعب الفلسطيني والذي يرمز لهذه الانتفاضة من أجل تجريم نضال الشعب الفلسطيني". وقالت ان اسرائيل "أرادت من تجريم النضال الفلسطيني أمام محاكمها وضع مسرحية لارهاب ابناء الشعب الفلسطيني لثنيهم عن الاستمرار في الانتفاضة وهذا لن يتحقق". وحضر جلسة المحكمة عدد من النواب العرب في الكنيست الاسرائيلية من بينهم محمد بركة والنائبان عزمي بشارة واحمد الطيبي وممثل عن الاتحاد الأوروبي. ومنعت الشرطة الاسرائيلية النائبين الفلسطينيين احمد البطش واحمد الصغير من دخول قاعة المحكمة. واعتبر أحد محامي الدفاع خضر شقيرات لائحة الاتهام مجرد خطوط عامة لم تشر عينياً الى مسؤولية البرغوثي عن العمليات ال37 التي تزعم اسرائيل انه كان ضالعاً فيها، وقال: "طعنّا بشرعية المحكمة وصلاحيتها وقلنا ان المحاكمة سياسية تستهدف النيل من قائد منتخب وزعيم سياسي". وأضاف انه وزملاءه سيقومون خلال الاسابيع الثلاثة المقبلة بدراسة لائحة الاتهام التي وردت في مئات الصفحات وان الرد في الجلسة المقبلة سيتمثل في الطعن بصلاحية المحكمة محاكمة البرغوثي. وقال المحامي جواد بولص ان اسرائيل باعتقالها البرغوثي خرقت كل المواثيق الدولية وان من تجب محاكمته ليس مروان البرغوثي انما الاحتلال الاسرائيلي وأفعاله، مضيفاً ان مقاومة الاحتلال، أي احتلال، هو حق مشروع يقر به العالم أجمع. وعقدت الجلسة في ظل اجراءات أمنية اسرائيلية مشددة شملت نصب حواجز للشرطة في محيط المحكمة واخضاع جميع الحضور للتفتيش الدقيق بالاضافة الى تكليف وحدات من "القوات الخاصة" التابعة للشرطة الاسرائيلية بحراسة البرغوثي. إلى ذلك، قالت الحملة الدولية لاطلاق سراح مروان البرغوثي في بيان تلقت "الحياة" نسخة منه، إنها تعتبر "جميع التهم" التي سوقتها إسرائيل ضد البرغوثي تهماً "لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فالاعتقالات التعسفية والتهم المركبة والمحاكمات الجائرة هي جزء لا يتجزأ من الاحتلال الإسرائيلي الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني".