نشرت "الحياة" مقالاً لياسر الزعاترة في السابع من آب أغسطس الجاري في عنوان "ليست عمليات انتقام، بل مقاومة يسندها الاجماع الوطني" يؤكد فيه عدم صحة القول إن العمليات الاستشهادية تأتي انتقاماً ورداً على العمليات التي تقوم بها القوات الإسرائيلية لاغتيال رموز كبيرة في صفوف المقاومة الفلسطينية. ويبدو أن المقال ردّ على مقال لوحيد عبدالمجيد في "الحياة" في الثالث من آب أكد فيه أن ما تقوم به "حماس" من عمليات استشهادية إنما يأتي انتقاماً وثأراًَ غير مدروس لاغتيال أحد قادتها، وأن ذلك هو أخطر ما يمكن أن يواجه حركة مقاومة تحرر وطني تبغي التحرر من الاحتلال. والحقيقة أن مقال الزعاترة يلمس بعض النقاط المهمة في ما يتعلق بالمقاومة لكنه ينظر إليها من جانب واحد فقط، فيؤكد أنه "عندما توافر الاجماع على خيار المقاومة تجلت القدرة الفلسطينية على الإبداع..."، وتوافر الاجماع على المقاومة - الذي ذكره الكاتب ثماني مرات في مقالته - يشير بحق إلى أهمية توافر عنصر الإجماع لتحقيق هدف ما، لكنه يطرح من زاوية أخرى ضرورة التساؤل عن ماذا لو توافر الإجماع حول التسوية السياسية، هل كانت القضية ستصل إلى ما وصلت إليه الآن؟ ويشير الكاتب في موقع آخر إلى أن "عمليات الرد والانتقام جاءت على الدوام في وقت كان الإجماع على المقاومة في حال من التراجع بسبب مواقف السلطة وإصرارها على ولوج باب التفاوض أو ما يسمى إعطاء الفرصة للجهود السياسية"، وتحمل تلك العبارة ما يؤكد - من وجهة نظر الكاتب - على أن عمليات "حماس" جاءت خصيصاً من أجل إجهاض عملية التسوية السياسية، وأن "حماس" لا تريد ولا تسمح للجهود السياسية أن تأخذ أية فرصة للتقدم، ومن ثم يلاحظ أن الكاتب يربط بين تراجع الإجماع ومواقف السلطة الساعية إلى تحريك العملية السياسية. ويمضي الكاتب في محاولته الدفاع عن "حماس"، فإذا به يورد عبارة تؤكد عكس ما يرمي إليه بينما تؤكد ما ذهب إليه وحيد عبدالمجيد، فحينما يشير الكاتب إلى أنه "عندما عاد الإجماع إلى الشارع الفلسطيني وطالب الجميع بالانتقام، جاء الرد سريعاً، بل أسرع من المرات السابقة"، فإنه يحاول أن يوحي بأن انتقام "حماس" لم يكن لرغبتها بقدر رغبة الشارع الفلسطيني. ونصَّب الكاتب نفسه ناطقاً باسم هذا الشارع وأسقط رغبته في أن تقوم "حماس" بالانتقام له، متصوراً أن ما يريده هو يريده الشعب الفلسطيني، أو على الأقل يجب أن يكون الأمر كذلك، ليشيع - ربما عن غير قصد - عن الفلسطينيين أنهم يتيهون بالانتقام. ربما يكون الكاتب ذكر أن هذا الانتقام هو رغبة الشارع الفلسطيني ليبرر السرعة الفائقة لعملية الانتقام من جانب "حماس" لاغتيال قائد جناحها العسكري. وهو لا يرى في السرعة التي تم بها الرد هذه المرة تعبيراً عما وصلت إليه "حماس" من حساسية مفرطة تجاه اغتيال أي من قاداتها، فكيف إذا كان المغتال هذه المرة هو صلاح شحادة قائد الجناح العسكري، من دون اعتبار للثمن الفادح الذي سيدفعه الشعب الفلسطيني. ومن ناحية أخرى، تتجلى الأحادية في الفقرة التي يقول فيها: "خلال الأسابيع الأخيرة، وعلى رغم شراسة العمليات الإسرائيلية، أخذت شعبية آرييل شارون تتراجع بسبب الفشل الأمني الذي أورث فشلاً اقتصادياً استثنائياً، ما يشير إلى أن مواصلة الضرب على رأسه وصولاً إلى إسقاطه ليست أمراً صعباً". والواقع أنه إذا لم يكن ممكناً إنكار صحة ما ذهب إليه الكاتب من تأثير الانتفاضة على الاقتصاد الإسرائيلي، فإن ما لا لا يجب إغفاله أيضاً هو تأثير الانتفاضة ذاتها والحرب التي يقودها شارون ضد الفلسطينيين على الاقتصاد الفلسطيني والبنية التحتية الفلسطينية، التي كان تدميرها عن آخرها هدفاً أساسياً لشارون. أما الجزم بأن مواصلة الانتفاضة أو ضرب شارون على رأسه سيوصل إلى اسقاط شارون، فإنها مسألة ما زالت محل تساؤل. أما الأمر الأكثر إثارة للدهشة فهو ترديد الكاتب لمقولات كان يُعتقد أنها انتهت وحسم النقاش حولها. كمقولة أن إبعاد السلطة الفلسطينية من الأراضي المحتلة أفضل لها من وجودها داخل تلك الأراضي، على أساس أن ذلك يخلصها من الضغوط ويجعلها أكثر قوة في مواجهة الاحتلال، ونحن نتساءل: هل من الأفضل لشخص أُخذ بيته عنوة وتمكن من الحصول على حجرة من البيت أو أقل أن يتمسك بما حصل عليه ويحاول استرداد الباقي، أم أن وضعه وهو مطرود بعيد من منزله أفضل له ليتمكن من استرداد المنزل، عبر ما يمكن أن يطلق عليه الكفاح "عبر الحدود" أو "عبر وسائل الاتصالات وشاشات التلفزيون بالتحديد". وإذا كان الكاتب يرى في نهاية مقالته أن لدى القيادة الفلسطينية فرصة حقيقية لدخول التاريخ وتحقيق نصر حقيقي وتجنيب أمتها "سيناريو" بالغ السوء، فإنه من الإنصاف أيضاً القول إن الأمر نفسه ينطبق على "حماس" وقادتها، فقد أتتهم الفرصة أكثر من مرة - كان آخرها بعد المجزرة الأخيرة في غزة - للتخلص من أهم نقاط ضعفهم التي تمثل في كيفية امتلاك زمام المبادرة والتصرف عبر رؤية استراتيجية. باحث في مركز الدراسات السياسية في "الأهرام" - القاهرة.