ينشغل مسلسل "ورود في تربة مالحة" في التعبير عن مصائر عدد من الشخصيات النسائية القلقة والباحثة عن الأمان النفسي والاقتصادي من خلال دراما اجتماعية معاصرة توضحت فيها شحنة التراجيديا ولامست هموم شريحة مهمة من شباب المجتمع السوري المعاصر، بكل ما تعنيه هذه الهموم وما تحمله من معاناة نفسية. المؤلفة هي "تماضر أحمد الموح" والأرجح أن هذا السيناريو هو الأول في سجلها للتلفزيون. وهي أخذت سبع شخصيات نسائية من الواقع ورسمتها على الورق بحرفية عالية. ويبدو ان المرأة العارفة في داخلها كانت وفيّة في نقل تفاصيل المعاناة الأنثوية. في اقتراب المؤلفة من واقع الحياة المعاصرة باعتبارها المرجع لها، اشتغلت على مواضيع الحب والزواج والعلاقات بين بعض الرجال المتزوجين وبعض النساء العازبات. مثل علاقة "قصي" سامر المصري مع "نغم" سلاف فواخرجي وعلاقة "محمود" زهير رمضان، بهديل رندة مرعشلي وهي كلها لا شرعية في نظر المجتمع بالطبع. والتعبير عنها درامياً جعل التشويق متصاعداً من حلقة إلى أخرى ومع تواتر الأحداث الدرامية وتعقّدها. هذا التناول مع حرارة الطرح وجرأته أثار حواراً اجتماعياً بين مشاهدي العمل. وعمّق الرؤية بالكثير من المشكلات الاجتماعية المعاصرة. على رغم أنه كعمل أثار أسئلة أكثر من تقديمه إجابات. محوران للصراع بني الصراع داخل الحدث الدرامي على محورين: الأول صراع الشخصيات مع جوّانيتها السيكولوجية. والثاني صراع الشخصيات مع شرطها الاجتماعي والاقتصادي. وفي المحور الثاني رصد العمل أثر الواقع الاجتماعي على دواخل الشخصيات ايضاً. قسم الكثير من مشاهد المسلسل الى نصفين واستطاعت المؤلفة جذب انتباه المشاهد وزادت من جرعة التشويق. فقد كنا نشاهد نصف المشهد بعد ذلك تنتقل الكاميرا لرصد نصف مشهد آخر. ثم تعود، لإكمال المشهد الأول والثاني بعد القطع المدروس في لحظات التوتر الدرامي. واستطاع رياض دياربكرلي مخرج المسلسل وفي تاريخه الفني عدد من الاسهامات المهمة على صعيد الدراما منها مسلسلات "بريمو" و"طقوس الحب والكراهية" و"الخطوات الصعبة" و"الاخوة" وتلك الأيام" عبر كاميرته الهادئة والرصينة نقل أحداث العمل في جمالية بصرية خاصة محورها أداء الشخصيات وحرارة الحوار الدرامي ورقيه، مبتعداً بذلك عن أي مجانية في حركات الكاميرا. وأثبت الممثل السوري في هذا العمل حضوره المميز بأداء مدروس بعناية ودخول الى الشخصيات عبر الاندماج الكامل بالدور. فسامر المصري بدور "قصي"، رئيس التحرير، كان مثال الشخص المحب والقلق. وهو التقط التعبيرات، السيكولوجية للشخصية وعبّر عنها... بشفافية عالية، وفي دور "نغم" الصحافية العاشقة لقصي الرومانسية والصادقة والباحثة عن الحب والاخلاص، كانت سلاف فواخرجي أجمل ممثلة في أجمل دور. لورا أبو سعد بدور ديمة أقنعت المشاهد بعبثية تحدي الظروف فهربت الى الزواج من "عهد" وائل رمضان الميكانيكي. ومن الشخصيات المحورية في المسلسل شخصية "هديل" لعبت الدور رندة مرعشلي وهي الفتاة اللعوب المعقدة من الرجال بسبب والدها المهاجر فكانت بموهبتها الحارة والصادقة خير معبّر عن الحال الشخصية. وعلى رغم معالجة خط "هديل" بطريقة نمطية الا ان حساسية شخصيتها وخطورتها بدوا متطلبين ذلك. زهير رمضان بدور "محمود" صاحب الشركة المتزوج وعاشق هديل صديقة ابنته، وبكل ما تحمله الشخصية من خبث وطيبة ومراوغة، كان قريباً من المشاهد. قرب الحياة شخصيات المسلسل إجمالاً صيغت درامياً بطريقة قريبة جداً من الحياة بعيداً التنميط. فالخير والشر موجودان في دخل كل شخصية على رغم غلبة احد العنصرين على الآخر. مع تلك الحالات الدرامية المتشابهة في الهم والمختلفة في طريقة المعالجة. كانت هناك موضوعة الفساد وقد عولجت في العمل بطريقة رومانسية أقرب الى رؤية النصف الملآن من الكأس. ولكن من مثالب العمل ذلك التطويل غير المبرر في الحلقة 24 قبل الأخيرة حيث كثرت أحلام اليقظة لدى "قصي" لكن أهم ايجابيات هذا المسلسل عدم ايصال الشخصيات الى نهايات لا تتوافق مع تاريخها الشخصي والاجتماعي. فكنا نفرح مع بعض النهايات ونتألم لقسم آخر... "ورود في تربة مالحة" إضافة درامية مهمة الى تاريخ الدراما السورية. وقد لاقى متابعة جماهيرية واسعة وهو من إنتاج التلفزيون العربي السوري. وعرضته في رمضان الماضي قناة "أوربت" المشفّرة.