هناك مئة شاهد أو أكثر، غير انني أكتفي باثنين هما بيتر بومونت في "الأوبزرفر" اللندنية ودانيال وليامز في "واشنطن بوست" فكلاهما كتب ان الاسرائىليين اعدموا خمسة من حراس الرئىس ياسر عرفات برصاصة في الرأس لكل منهم داخل بنك بيروتالقاهرة في رام الله. في اليوم نفسه الذي كانت مصادر غربية تؤكد القتل كان الرئىس جورج بوش يؤيد آرييل شارون، ويطلب من الرئىس الفلسطيني زيادة جهده لوقف الارهاب، وهو محاصر في غرفة واحدة من مكتبه. الارهاب أميركي - اسرائىلي، وقد حان أوان ان يقف القادة العرب وقفة صدق، ان لم يكن وقفة عز، مع انفسهم وشعوبهم ويقولوا ان العدو هو الولاياتالمتحدة، وان يعاملوها على هذا الاساس، وهذه ليست دعوة الى الحرب، وانما الى مجرد المقاطعة. ماذا اقول للقارئ اليوم؟ أقول له: اخفض رأسك يا أخي فقد عاد عهد الاستعمار. والاستعمار هذه المرة اميركي - اسرائيلي، ينفذه جهلاً رئىس أحمق يديره يمين الحزب الجمهوري واليهود الاميركيون من انصار اسرائىل في الادارة. "نيويورك تايمز" تنسب الى مسؤول كبير في وزارة الدفاع قوله "لو ان الانتحاريين يفجرون انفسهم في نيويورك لكان تركيزنا على وقفهم ولا شيء آخر". وهذا الكلام فجور يليق بنائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز وأمثاله، فنيويورك ليست ارضاً محتلة، والمقارنة مستحيلة الا على انصار اسرائىل داخل الادارة. الجناح الاسرائىلي في الادارة يقوده نائب الرئىس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، وكان تشيني زار المنطقة وسمع آراء تسعة قادة عرب قالوا له جميعاً ان القضية الفلسطينية تهمهم، وانهم يعارضون ضرب العراق. ثم عاد تشيني الى بلاده فأيد شارون في ضرب الفلسطينيين، فيما الولاياتالمتحدة تواصل استعدادها لضرب العراق. بكلام آخر نائب الرئىس تشيني سمع كلام القادة العرب وضرب به عرض الحائط، ولا استطيع ان اقول اكثر، لأن النظام العربي الذي لا يقدر على اميركا واسرائىل يقدر عليّ. كنت اعتقد ان الحرص على الكرسي يجعل المسؤول العربي يخاف من موقف شعبه اكثر من موقف الادارة الاميركية، غير ان المسؤولين يعرفون اساليب البقاء في كراسيهم أكثر مني فلا اهدف بما لا اعرف، وانما أكمل بأن "واشنطن بوست" نفسها كتبت مقالاً افتتاحياً بعنوان "اوقفوا الهجوم"، ومع ذلك فالرئىس الاميركي لا يسمع لصحافته النافذة، ويتجاهل نداءات وتوسلات الحلفاء في الشرق الاوسط، وهو ينفذ سياسة اسرائىلية خالصة. وأبقى مع شواهدي من الصحافة الاجنبية منعاً للجدل، و"نيويورك تايمز" نفسها قالت امس ان الرئيس بوش أيد شارون بعد اجتماع، على الهاتف، مع مجلس الأمن القومي، مع انه في اليوم نفسه كانت الولاياتالمتحدة تؤيد قرار مجلس الأمن الذي يدعو اسرائىل الى سحب قواتها من الاراضي الفلسطينية. وفسرت الجريدة هذا التناقض بأنه نتيجة لاذعان الرئىس بوش ليمين حزبه وأنصار اسرائىل، مثل نائب الرئىس، وداخل وزارة الدفاع، وعلى رغم معارضة وزارة الخارجية الاميركية التي ترى ان سياسة شارون "ستؤدي الى مزيد من القنابل ومزيد من المآسي". الواقع ان هذا رأي الصحف الاسرائىلية نفسها، فهي ترى ان شارون لا يملك سياسة، او حلولاً، وانما يخوض حرباً، ومع ذلك فالرئىس الاميركي يؤيده، لأن ليس عنده ما يخشاه من العرب. لماذا لا تقطع الدول العربية علاقاتها كافة مع اسرائىل؟ ماذا تستطيع الولاياتالمتحدة ان تفعل اذا قطعت هذه الدول العلاقات؟ بل ماذا تستطيع ان تفعل اذا قاطعت الدول العربية المصالح التجارية الاميركية في المنطقة، واختارت التعامل مع اوروبا وروسيا والصين؟ اعرف ان الولاياتالمتحدة اعظم قوة عسكرية واقتصادية في العالم، ولا ادعو الى محاربتها بأي شكل، ولكن، هل هي من القوة ان ترغمنا على قبول املاءاتها، من هيمنة اسرائىل الى تعليم الدين في المدارس؟ الشهر الماضي اوقع الفلسطينيون باسرائىل اكبر عدد من الاصابات خارج الحروب، فقد قتل 122 اسرائىلياً وجرح حوالى ألف. وقد دفع الفلسطينيون اضعاف هذه الارقام، وهم لا يزالون مستعدين ان يدفعوا ويناضلوا ويقاوموا نيابة عن امة لا تستحق التضحية.