أن يعتزل لاعب كرة قدم ويصبح مدرباً او ادارياً اوحكماً فهذا غير مستبعد او مستغرب، بل هو امر طبيعي ومنطقي ويمثل التطور الحتمي لكل رياضي عاش بين جنبات الملاعب فترة طويلة... وبعد مشوار طويل صحا خلاله ونام وأكل وشرب وتنفس الرياضة واخبارها وهمومها... وبين كل هذا تفكير في منصات التتويج وتسجيشل الانتصارات المتتالية. لكن الجديد حقاً، ان يودع لاعب كرة القدم وملاعبها ومكاتبها ويختار مجالاً لا يمت إليها بأي صلة: غسل الاموات! في السعودية كُسرت القاعدة المعهودة من جانب بعض الرياضيين، اذ آثروا هجر كرة القدم والعمل في مغاسل الموتى! واذا كان الحارس المعروف ابراهيم الحلوة، والحكم السابق ونائب رئيس لجنة الحكام الحالي حسن البحيري، ومعهما الصحافي الرياضي الراحل عمر الجمهور اول من نهج هذا المسلك، فإن آخرين تبعوهم وساروا على دربهم حتى بلغوا عشرات. والحلوة الذي لعب لفريق الرياض ثم انتقل الى الشباب، وكان احتياطياً لمحمد الدعيع في مونديال "اميركا 1994"، ودّع قفازات الحراسة وحذاء الرياضة وملابسها واستبدلها بادوات غسل الموتى: الماء والكافور والسدر والاكفان البيضاء، وهو لا يجد غضاضة في الاعلان عن سعادته بالعمل في هذا المضمار في جامع الراجحي في الرياض. ويفضل الحلوة عدم الحديث عن الفترة السابقة من حياته، بل يقول عنها: "عندما اقارن بين الفترة التي اعيش فيها الآن، وتلك التي قضيتها في الملاعب فانني نادم جداً على ما فاتني في تلك الأيام". ويضيف: "الفرق كبير بين التجربتين، في الملاعب لا نسمع سوى السب والشتائم من الجمهور ومن الاعلاميين ايضاً... وفي المغسلة نسمع الادعية والترحمات على الموتى والشكر، كما انه عمل لوجه الله تعالى فقط". ويوافق البحيري صديقه الحلوة في كل ما ذهب اليه: "لم أندم في حياتي على شيء أكثر من ندمي على 30 سنة أضعتها في الملاعب، لأنني وجدت اختلافاً كبيراً بين ما اعيشه حالياً وما عشته سنوات طوال مضت". ويبدو ان تعرض الحلوة والبحيري لحادثين قاسيين تمثلا في وفاة عم الأول ووالد الثاني، كان له الاثر الكبير في توجههما الى هذا المجال، اذ يقول الحلوة: "عندما توفي شقيق والدي، أحسست بأن الموت قد تخطاني الى عمي وسيأتي اليوم الذي سيتخطى غيري ويصيبني، وعندما رافقته الى مغسلة الأموات ثم الى المقبرة شعرت بعظمة الموقف فودعت الرياضة واتجهت الى الله طلباً في الأخرة". اما البحيري فأكد ان وفاة والده اثرت فيه كثيراً : "عندما توجهت الى مغسلة الموتى في مسجد الراجحي شاهدت رجلاً اعرفه هو ابراهيم الحلوة الذي استقبلني بكل أدب، وأسهم في تجهيز جنازة والدي. وهذا ما جعلني أتردد بصفة يومية على المغسلة للمشاركة في مساعدة الحلوة وتجهيز الموتى للدفن". ويشرف الحلوة حالياً على مغسلة الأموات في الرياض "المغسلة تكفل بها الشيخ سليمان الراجحي، وهو لم يمنع الآخرين من المساهمة طلباً للأجر والثواب من عند الله. يعمل معنا اناس كثر أبرزهم المغسلون والمغسلات في القسمين الرجالي والنسائي. نقوم يومياً بتجهيز الموتى واعدادهم للصلاة عليهم، ومتوسط ما نجهزه حوالى عشر حالات في اليوم الواحد، واكبر عدد وصلنا اليه كان 22 حالة". ويثني الحلوة على مساهمات بعض الرياضيين في العمل الخيري "يتردد علينا بصفة دائمة الحارس محمد الدعيع والحكم الدولي عبدالرحمن الزيد اضافة الى البحيري، وفي السابق الصحافي الرياضي عمر الجمهور قبل موته رحمه الله". ولم يعد الحلوة يتذكر المباريات الدولية التي خاضها مع المنتخب السعودي "نعم بدأت انساها، او بصورة ادق اتناساها. عملي الجديد وما اشاهده يومياً فيه يجعلني بعيداً عن استحضار الذكريات السابقة، هول الموقف ينسيني كل البطولات، ولو حضرت معنا يوماً واحداً في المغسلة وشاهدت ما شهدته، ما سألتني هذا السؤال قط". ويؤكد الحلوة ان اكثر ما يؤثر في العاملين في المغسلة هم موتى حوادث السيارات والمخدرات "احضرت لنا جثة شاب موزعة على ثلاث قطع فتأثرنا كثيراً من المشهد، وعندما سألنا اهله عن سبب وفاته قالوا لنا انه تعرض لحادث مروري، كما ان جثث موتى المخدرات تؤثر علينا كثيراً لأن غالبيتهم في ريعان الشباب".