أبقى مع القراء يوماً آخر، وأبدأ بصديق هو أبو هاني الذي يبعث إليّ برسائله عبر البريد الالكتروني، فهو رأى نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني يفاوض القادة العرب، وحلم ان جيشاً عربياً دخل العراق من دون ان يلقى مقاومة، ثم رأى صدام حسين وسلوبودان ميلوشيفيتش يشربان القهوة معاً، وحلم بعد ذلك انني كتبت مقالاً أشرح فيه ان الجيش العربي يتدرب لدخول الضفة الغربية وقطاع غزة. المشكلة في الأحلام يا أبا هاني انها تفسر بعكسها، فإذا عكسنا حلمك يتحول الى كابوس عربي آخر. على كل حال أشكر القارئ الصديق على الجزء الثاني من رسالته الالكترونية، فهو رآني على تلفزيون "المنار"، وفوجئ بأنني "أنيق، وسيم، بل شاب أيضاً"، وليس كما ادعي. أرجح ان أبا هاني رأى شخصاً آخر، وإذا كان رآني فلا بد ان شاشة التلفزيون اصيبت بتشويش اثناء البث. عدّل من التشويش في شكلي. احكي للقراء قصة من مشاركتي في برنامج مع تلفزيون "المنار". فقد اكتشف الاخوان هناك ان ربطة عنقي الكرافات، تضم اللون الأزرق، وهو لا يظهر عندهم لأن نظام التصوير يلغيه ليضع خلف المشاركين في البرنامج خلفية مصنوعة مناسبة، واعتقدت في البداية ان الاخوان يضحكون عليّ، وانهم يريدون ان اخلع الكرافات، لأنهم على حلف مع ايران حيث الكرافات مضت "موضتها" الى غير رجعة. غير ان احد الاخوان في الاستوديو عرض عليّ كرافات جديدة قال انه تلقاها هدية، وهو لا يستعملها. وهكذا كان وخرجت من استوديو تلفزيون "المنار" بالذات حاملاً، أو مرتدياً، كرافات جديدة هدية. وأقول استكمالاً لهذا البحث المهم جداً انني نسيت الكرافات التي وصلت بها تحت الطاولة، فاقتضى التنويه. على كل حال أشكر الأخ أبا هاني، وأشكر الأخت فاتن من لندن، على رأيها المماثل في ما أكتب. وأرجو اذا لم تغير رأيها فيّ مستقبلاً ان تكرره في المناسبات، ونحن نقول "يهوى المديح مبرّز ومقصّر...". القارئ رياض، من هولندا، ورسالته جاءت بالفاكس، معجب أيضاً غير انني خسرته بسبب الصفحة الأخيرة في الزميلة "الوسط" التي هي الآن جزء من "الحياة"، فهو خاب أمله بعد ان كتبت عن تقرير أصدرته احدى الجامعات يقول ان المال ضروري للسعادة، وتلاشى شعور القارئ بنَفَس اشتراكي في ما أكتب، وتبددت الهالة المحيطة بمقالاتي. ويقول اخونا رياض "ألم يسمع السيد جهاد الخازن عن سعادة المعرفة، وسعادة الفلسفة، وسعادة القناعة". سعادة المعرفة والفلسفة والقناعة لا تلغي كل سعادة أخرى، بما فيها الصديق جوزيف سعادة. وعندي دليل قاطع على ان المال يأتي بالسعادة، لأنه لو أرسل الأخ رياض إليّ مرتبه آخر الشهر فسأكون سعيداً جداً. وتلقيت من مصادر عدة ما نشرت صحف بريطانية وأميركية عن أشرطة ريتشارد نيكسون، بعد الافراج عن 500 ساعة أخرى من تسجيلات البيت الأبيض خلال ولايتي الرئيس الراحل. الجزء الذي اهتم به القراء هو لا سامية نيكسون الظاهرة خلال اجتماع ضمه ومساعده ه.ه. هالديمان والمبشر بيلي غراهام، فهم اتفقوا على ان اليهود الأميركيين يسيطرون على الاعلام، وانهم مسؤولون عن نشر المواد الفاحشة، ويجب وقفهم. أعرف ان نيكسون لا سامي من مصدر آخر، فزميل صديق أجرى له مقابلة بعد ان ترك البيت الأبيض، ثم حكى لي انه فوجئ بالرئيس السابق يشن حملة على اليهود ويتهمهم بالمسؤولية عن سقوطه، ويعبر عن خوفه على مصير الولاياتالمتحدة تحت سيطرتهم. ويبدو انه تكلم مرتاحاً لأن الصديق عربي. كلام ريتشارد نيكسون لا سامية كريهة مرفوضة، أرجو بحرارة ان يتجنب العرب مثلها. ولكن أزيد انني توقفت عند رأي للرجال الثلاثة سجلته في زاويتي هذه غير مرة، وهو ان يهود اسرائيل أفضل كثيراً من اليهود الأميركيين. هل هذا رأي عنصري أو لا سامي؟ نيكسون وهالديمان وغراهام توصلوا اليه لشعور الرئيس بأن اليهود الأميركيين يعادونه. أما أنا فأشعر بأن غالبية من الاسرائيليين تريد حلاً سلمياً مع الفلسطينيين والعرب، في حين ان غالبية من اليهود الأميركيين البعيدين عن القتل والتدمير يؤيدون نازية حكومة آرييل شارون وجرائمها، لأنهم بمنجاة من تحمل الرد عليها. وفي جميع الأحوال، فالخطأ في مثل هذه المفاضلة هي انها تصنف كلاً من يهود أميركا ويهود اسرائيل كمجموعة موحدة الرأي، والتعميم لا بد ان يخطئ، ففي اسرائيل يهود أسوأ من شارون على رغم ما يبدو من استحالة ذلك، وفي الولاياتالمتحدة يهود يسعون للسلام ويعارضون ممارسات الحكومة الاسرائيلية. وكان عندي أستاذ من هؤلاء في جامعة جورجتاون، هو سيث تيلمان، اعتقد انه أفضل من ثلاثة أرباع الأساتذة الذين عرفتهم طيلة حياتي الجامعية من بيروت الى واشنطن.