رأى مراقبون سياسيون في تونس أمس ان الظروف التي جرت فيها محاكمة المعارض اليساري حمة همامي، واثنين من كوادر "حزب العمال الشيوعي" الذي يتزعمه، أدت الى احتقان جديد لم يشمل الناشطين في مجال حقوق الانسان وحسب، وانما شمل أيضاً المحامين الذين قرروا اضراباً الخميس المقبل احتجاجاً على عدم توافر الشروط للترافع في القضية. وكانت هيئة المحكمة التي تستجوب المتهمين الثلاثة وبتت القضية من دون حضور محاميهم قررت تثبيت الحكم الصادر في شأنهم غيابياً من المحكمة الأولى خصوصاً، همامي الذي نال تسعة أعوام سجناً. وظل همامي متوارياً عن الأنظار طيلة السنوات الماضية قبل أن يتقدم محاموه بطلب للمثول أمام هيئة قضائية لمعاودة المحاكمة الشهر الماضي تمت الاستجابة له وحددت الجلسة للسبت الماضي. ودلت المؤشرات، بعد ظهور همامي صباح أول من أمس أمام المحكمة في قصر العدل الى أن التعاطي سيكون هادئاً. واستعد عدد كبير من المحامين للترافع عنه، إلا أن دخول رجال أمن فجأة الى قاعة المحكمة وسحبهم المتهمين الثلاثة أثارا ذهولا لدى المتابعين والمراقبين العرب والأجانب، وألقى ظلالاً من التوتر الشديد على مجرى القضية. وتكرس الانعطاف مع اعلان القاضي قرار المحكمة الذي اعتبر متشدداً، خصوصاً بعدما قبل المتهمون تسليم أنفسهم للقضاء طوعاً. وفيما كان متوقعاً أن تنهي المحاكمة التجاذب السابق بين السلطات و"حزب العمال" المحظور وتضع الملف على سكة التطبيع، اندلعت أزمة اضافية مع المحامين الذين عقدت نقابتهم اجتماعاً طارئاً في قصر العدل، ووجهت انتقادات لاذعة للسلطات في بيان شديد اللهجة. يذكر أن هذه التطورات أتت بعد 48 ساعة من الافراج عن زعيم "حركة الاشتراكيين الديموقراطيين" معارضة محمد مواعدة المعتقل منذ حزيران يونيو الماضي، والذي اعتبر مؤشراً الى انفراج محتمل بين الحكم والمعارضة. وأكدت تلك التوقعات التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية حبيب بن يحيى في باريس أخيراً، على هامش مشاركته في اجتماعات اللجنة المشتركة التونسية - الفرنسية للتعاون مع نظيره هوبير فدرين، والتي قلل فيها من الاحتقان بين الحكومة و"المعارضة العلمانية" مؤكداً ان الاعلام الغربي والمنظمات غير الحكومية الأوروبية خصوصاً في فرنسا "ساهمت في اعطاء صورة سلبية غير مطابقة للواقع عن البلد". إلا أن تداعيات قضية همامي قد تغذي حملات الاعلام الأوروبي والمنظمات غير الحكومية في شأن أوضاع حقوق الانسان في تونس، فيما استبعد مراقبون انفراجاً قريباً بين الحكم والمعارضة غير البرلمانية، مما قد يؤدي الى أجواء مشحونة مع قطاع المحامين.