سيتذكر العالم دورة الالعاب الاولمبية الشتوية التاسعة عشرة، التي اختتمت اول من امس في مدينة سولت لايك الاميركية، بالاجواء المشحونة التي صاحبتها وجعلت منها واحدة من اكثر المنافسات الدولية جدلاً عبر التاريخ الرياضي. وقد يتذكر الكثيرون ابرز النتائج والدول التي ظهرت على لائحة الميداليات وايضاً عدداً من الرياضيين المتألقين، لكن الأكيد ان احداً لن ينسي ابداً ما صاحب هذه الدورة من فضائح تعلقت بالرشاوى والفساد والمنشطات وانحياز الحكام والتهديد بالانسحاب من قبل روسياوكوريا الجنوبية... وفوق ذلك كله الاجراءات الامنية المشددة التي حولت المدينة قلعة عسكرية ما ازعج اللاعبين والزائرين من خلال تعرضهم يومياً للحواجز واجراءات التفتيش الدقيقة طيلة السبعة عشر يوماً الاخيرة. واذا كانت علامات الفساد قد بدأت منذ لحظات اختيار سولت لايك في عام 1995 لاستضافة هذا الحدث المهم وتسببت في اقالة عدد من ابرز اعضاء اللجنة الاولمبية الدولية، فانها امتدت الى ما هو ابعد من ذلك اثناء الحدث ذاته. وتوالت قرارات الحكام "المشبوهة" ما اثار ازمة رياضية - سياسية بين الولاياتالمتحدةوروسيا وقررت الاخيرة الانسحاب، بيد انها تراجعت سريعاً وهو ما حصل ايضاً مع كوريا الجنوبية. وقبل انتهاء الدورة بيوم واحد، اراد بضعة آلاف من الضيوف ان يعربوا عن استيائهم من التحكيم ومن الاجراءات الامنية فتجمعوا في وسط المدينة، بيد انهم قوبلوا بالاعيرة المطاطية وألقي القبض على نحو 30 منهم. واستكمالاً لمسلسل الفضائح، شهد اليوم الاخير من الدورة ثبوت تناول ثلاثة متزلجين للمنشطات وهم الاسباني يوهان مويهليغ والروسيتان لاريسا لازوتينا ودولغا دانيلوفا بعد ان جاءت نتائج الفحوصات التي خضعوا لها في 21 الجاري ايجابية. واذا كانت دانيلوفا لم تخسر شيئاً لأنها لم تحصد شيئاً اساساً، فان مواطنتها لازوتينا حرمت من لقبها في سباق 30 كلم. وجرد مويهليغ، الالماني الاصل، من ميدالية ذهبية واحدة فقط من بين الميداليات الثلاث التي حصل عليها على اعتبار انه حصد الميداليتين الاخريين قبل تاريخ الفحص! كما ظهرت قبل انطلاق الدورة، حالة ايجابية اخرى للبيلاروسية يوليا بافلوفيتش التي ثبت تناولها مادة الناندرولون لكن سرعان ما ألغيت نتيجة الفحص بسبب خطأ في الاجراءات. ولعل احدث طريقة للغش الرياضي اوجدتها هذه الالعاب هي ظاهرة "الاحذية المتنشطة"، اذ كشفت اللجنة الاولمبية الدولية ان بعض الرياضيين عمدوا الى طلي احذية التزلج بمواد تزيد من سرعة اندفاعهم فوق المضمار. اما على صعيد النتائج، فتصدرت المانيا الترتيب ب35 ميدالية 12 ذهبية و16 فضية و7 برونزية امام النروج التي حصدت 24 ميدالية 11-7-6 والولاياتالمتحدة التي جمعت 34 ميدالية 10-13-11، وتضمنت لائحة الميداليات 25 دولة من بين 77 شاركت في هذا المحفل الاولمبي. وقبل ان تطفأ الشعلة الاولمبية، ويصافح الرياضيون بعضهم بعضاً على امل اللقاء مجدداً بعد اربع سنوات في تورينو، اقيمت المباراة النهائية في الهوكي على الجليد، وفجرت كندا مفاجأة من العيار الثقيل حين فازت على الولاياتالمتحدة 5-2. عموماً، دورة الالعاب الاولمبية الشتوية التاسعة عشرة انتهت، لكنها خلفت وراءها تساؤلات كبيرة جداً ابرزها: متى يعود التنافس الشريف والتباري العفيف الى اروقة الرياضة التي افسدها تحكم المال وتغلبه على الهواية، فباتت مرتعاً للرشاوى والفساد والغش في سبيل تحقيق الفوز... ليس طبعاً بغصن الزيتون كما تنص روح الالعاب الاولمبية، وانما بملايين الدولارات التي يضخها اصحاب المصالح العليا؟