سواء ألقى ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز الخطاب "المجمّد" امام القمة العربية في بيروت ام استمر في اعتبار ان الممارسات الاسرائيلية لا تزال تمنع طرحه فإن صدى كلامه أعاد أزمة الشرق الاوسط الى جوهرها الفلسطيني. وما ورد في الخطاب ليس بالتأكيد رداً متسرعاً ولا مبادرة صيغت على عجل. الرئيس الراحل أنور السادات أعلن عن مبادرته الشهيرة على سبيل التحدي، وتلقفت إسرائيل التحدي واستغلت ذهول العرب وانفردت بمصر وفصلتها عن محيطها العربي، و"مبادرة" ولي العهد السعودي يجب أن تتجنب هذا الفخ، فشارون عطل طرحها في شكل رسمي وحبسها في الدرج، وردود الفعل الإسرائيلية الإيجابية تحاول خلق حال ثنائية معها، ومنعها من الوصول إلى العمل الجماعي والتعاطي معها على طريقة المسارات المنفردة. الأمير عبدالله "غير رأيه عندما رفع رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون أعمال العنف والقمع إلى مستوى لا سابق له"، والمطلوب من الأمير الآن أن يغير رأيه ويخرج مسودة المبادرة ويطرحها على جدول أعمال قمة بيروت، وينقل القمة من أزمة حضور عرفات ويفوت على إسرائيل كسب معركة حصار السلطة الفلسطينية، ويعيد تشكيل الأسئلة المطروحة على القمة العربية، ويخلق حالة عربية مختلفة ومتفائلة. إن القول بأن الدور السعودي انتهى بالإعلان عن مسودة المبادرة غير صحيح. وردود الفعل الإسرائيلية والفلسطينية والدولية نقلت المبادرة من الطرح الصحافي إلى الإعلان الرسمي. والتحرك السعودي في اتجاه طرحها على قمة بيروت لم يعد خياراً بل حاجة فلسطينية وعربية ولبنانية. وقمة بيروت بهذه المبادرة ستعيد الحياة إلى القمم، فضلاً عن أن التحرك في اتجاه رؤية تتخطى قضية حصار الرئيس عرفات والحديث عن ثمن خروجه وعودته إلى رام الله لم يعد أمنية صعبة التحقيق، والمبادرة السعودية شكلت رؤية سياسية جديدة، وأعادت رسم الموقف، ولم يبق سوى تحرك سعودي في شكل عاجل. زعيم المعارضة الإسرائيلية يوسي ساريد حث إسرائيل على الرد على المبادرة السعودية رسمياً، والرد الإسرائيلي إذا جاء في هذا الوقت سيفسر على أنه مشروع علاقة إسرائيلية - سعودية مباشرة، وتجاهله سيخلق ردود فعل عكسية ويشكل تراجعاً من شأنه إفشال التحرك السعودي، والحل هو نقل المسودة إلى بيروت في شكل رسمي، وتحويلها إلى الإطار العربي قبل أن تحاول إسرائيل خلق حالة تفاوضية منفردة. هل تغير التصريحات الإسرائيلية المتفائلة موقف الرياض؟ التطبيع في شكله التقليدي لم ينجح في مصر والأردن، والرياض لا تهدف إلى تطبيع شعبي لأنها غير مستعدة له ولا تريده في هذه الظروف، وتسعى في مبادرتها إلى تطبيع سياسي بين الأنظمة العربية وإسرائيل في مقابل انسحاب كامل يشمل القدس، لكن تأجيل فتح الدرج والإفراج عن المسودة وتحويلها إلى الجامعة العربية ربما يخلق متاعب ليست في الحسبان، ويفوت الفرصة على استثمار بوابة الرياض على النحو الذي أراده السعوديون من مبادرتهم.