قبل قرابة اثني عشر عاماً تخرّج في معهد الفنون المسرحية بارعاً في إلقاء القصائد وتمثيلها، فشجّعه استاذه المسرحي اضافة الى أهله، وكانت النتيجة انه لم يوفّر في تقليده احداً بدءاً بوالده مروراً بخوري الضيعة وصولاً الى ... الشخصيات السياسية. لكن الممثل جان بو جدعون اشتغل مصوراً صحافياً أعواماً عدة قبل ان ينتقل الى امام الكاميرا التلفزيونية ويُنصّب نفسه مرة رئيس دولة ومرة وزيراً ومرة نائباً بلا ادنى واسطة من احد ... بخلاف العرف اللبناني عادة. تساعده على ذلك "عينه الثالثة" كما يقول، ورغبة قوية في ان "يفشّ خلق ضحاياهم" اي الناس! ويقول بو جدعون نجم "بس مات وطن" وقبله "تعليق سي قاسي" و"طق رير" انه لا يتمنى ان يكون أياً من اولئك الذين ينتحل صفاتهم، بل يفضل ان يخاطب جمهوراً آخر "لا يشبههم ابداً": الاطفال، الذين يقدم اليهم اليوم عمله المسرحي الثالث "غابة مليانة قصص" بعد مسرحيتي "من مدينة لمدينة" و"سامي واللعبة". ويتحدث عن المسرحية التي كتبها وأخرجها وألّف اغنياتها ولحّنها شارحاً ان فكرتها سكنته طويلاً بعد احتراق الحرش في ضيعته قبل عامين من دون ان تتمكن الاجهزة من مكافحته. "كان جزءاً من طفولتي واحترق لأتفه الأسباب لأن البيئة كانت دائماً من الكماليات عندنا ونادراً ما نجد تربية اجتماعية تثقّف الناس في هذا الشأن او عملاً جدياً لحماية البيئة". ولأن التوعية الصحية تبدأ من الصغر اختار بو جدعون مخاطبة كل الاطفال "حتى اولئك المختبئين فينا نحن الكبار". في عمله المسرحي "غابة مليانة قصص"، الذي يروي قصة الأخوين "بدر ونجمة" اللذين ذهبا الى الغابة في رحلة استكشاف بحثاً عن البئر التي أخبرهما جدهما عنها. وفي الطريق يفاجئهما فخ نصبه الناطور العم "سهران" للثنائي "قرش وكرش" المواظب على تخريب الغابة و"منازل" حيواناتها ... عندها تنقلب رحلة الطفلين رأساً على ... معركة للقبض على الشريرين "قرش وكرش"! وفي سياق تطور الأحداث يفهم الولدان ان النضال لحماية الغابة وأشجارها وحيواناتها لن يكون سهلاً ابداً، لأن المسيئين الى البيئة اقوياء، حرقوا الغابة على رغم كل الجهود قبل ان يتمكن حُماتها من القضاء على المعتدين بعد ان توحدوا ضدهم. "غابة مليانة قصص" تجول مع عروضها وأبطالها الخمسة على المدارس في المناطق اللبنانية حاملة ثقافتها غير الواعظة وأغنياتها العفوية الجميلة التي تدخل على السياق المسرحي للتعريف بشخصيات العمل وبتطور أحداثه في ساعة وربع الساعة. ويشرح بو جدعون ان العمل الذي كتبه الصيف الماضي يقدم الكثير من الارشاد في "قالب انسيابي بسيط لكن هادف" يعلّم الأطفال كيف ان الطبيعة هي أم الخيرات وتداوي نفسها بنفسها عادة، إلا إذا قضينا على كل مقوماتها. ويستند في ذلك الى لغة شعرية وغنائية لا فذلكة فيها "وإنما الكثير من التلقائية الجميلة التي تشغل خيال الأطفال الى أبعد الحدود، فالناطور "سهران" مثلاً يسقي من عينيه كروم العنب، والدب "بوزو" يصنع ادوات مطبخه من اغصان الشجر، والواوي الثعلب يقدم ذنبه منشفة للحيوانات المرضى في مستشفى الغابة". واللوحة الكبيرة تتوزع على خمس لوحات صغيرة وثماني شخصيات يجسدها خمسة ممثلين هم: جويل حمصي ووليم ناصيف وميشال نصار ووليد حورية وإيلي يوحنا. اما الديكور فيحمل توقيع مستنسخ وجوه السياسيين في "بس مات وطن" كلود خليل ابن الفنان الكبير في هذا المجال: درويش. بو جدعون يعترف ان مخاطبة الأطفال لا تقل صعوبة ابداً عن تقليد الشخصيات السياسية وغيرها: "في التقليد أستلهم خطوط الشخصية التي سأقلدها من حركة او ايماءة لها او حتى من نغمة الصوت، وأتركها تتخمر في لا وعيي حتى اليوم الكبير، يوم التصوير ... وعند تنفيذ الماكياج على وجهي ابدأ بالانتقال من جان بو جدعون الى الآخر ... لكن مخاطبة الاطفال ابسط اسلوباً وأصعب تنفيذاً ولا ينفع معها الماكياج الكثير ... والسبب هنا ان اطفال اليوم صاروا خبراء في الكومبيوتر وألعاب التكنولوجيا ولا ينفع ان نعاملهم بسذاجة". بو جدعون الذي نال جائزة الشاعر سعيد عقل في "الكاريكاتور الملكي" كما سمّيت، يؤكد ان الشخصيات الأصعب تقليداً هي تلك التي لا شيء نافراً فيها، والشخصيات المتوفاة التي لم يعاصرها او يشاهدها وإن على شريط تلفزيوني: "وبن لادن كان من اصعب الشخصيات التي قلّدت لندرة ظهوره الاعلامي وصوره الفوتوغرافية".